العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير

آب ولد اخطور محمد الأمين الشنقيطي ت. 1393 هجري
71

العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير

محقق

خالد بن عثمان السبت

الناشر

دار عطاءات العلم (الرياض)

رقم الإصدار

الخامسة

سنة النشر

١٤٤١ هـ - ٢٠١٩ م (الأولى لدار ابن حزم)

مكان النشر

دار ابن حزم (بيروت)

تصانيف

يقول الله (جل وعلا): ﴿وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾ [البقرة: آية ٥٠] أي: وَاذْكُرُوا إِذْ فَرَقْنَا بكم البحرَ. ﴿فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ﴾ أي: فَلَقْنَاهُ، بدليلِ قولِه: ﴿فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾ [الشعراء: آية ٦٣] وَأَصْلُ الفِرْقِ: الفصلُ بينَ أجزاءِ الشيءِ (^١). فمعنى ﴿فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ﴾ أي: فَصَلْنَا بينَ بعضِه وبعضٍ حتى كانت بينَه مسالكُ تَسْلُكُونَ فيها. ومن هذا المعنى قولُه: ﴿فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ [المائدة: آية ٢٥] أي: افْصِلْ بَيْنَنَا وبينَهم، ﴿فَالْفَارِقَاتِ فَرْقًا﴾ [المرسلات: آية ٤] أي: على القولِ بأنها الملائكةُ تنزلُ بالوحيِ الذي يَفْصِلُ بين الحقِّ والباطلِ. وهذا معنى قولِه: ﴿وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ﴾ أي: فَصَلْنَا بعضَ أجزائِه عن بعضٍ حتى كانت بينَه مسالكُ تسلكون فيها من طرقٍ يابسةٍ كما قال جل وعلا: ﴿طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا﴾ [طه: آية ٧٧]. و(الباءُ) في قوله: ﴿بِكُمُ﴾ فيها لعلماءِ التفسيرِ أَوْجُهٌ (^٢)، أَظْهَرُهَا أنها سَبَبِيَّةٌ. والمعنى: فَصَلْنَا بعضَ أجزاءِ البحرِ عن بعضٍ، بسببِ دُخُولِكُمْ فيه؛ لِيُمْكِنَكُمُ المرورُ سالكين بين أجزائِه، كما قال تعالى: ﴿فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾ [الشعراء: آية ٦٣]. وقال بعضُ العلماءِ: (الباء) بمعنى اللامِ، فمعنى ﴿فَرَقْنَا بِكُمُ﴾ أي: فَرَقْنَا لكم. وهو عائدٌ إلى معنى الأولِ؛ لأن اللامَ للتعليلِ، والباءُ للسببِ، فالمعنى مُتَقَارِبٌ. وقال بعضُ العلماءِ: الجارُّ والمجرورُ في مَحَلِّ حَالٍ، أي: فَرَقْنَا البحرَ في حالِ كونِه مُتَلَبِّسًا بكم. وقال بعضُ العلماءِ: ﴿فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ﴾ أي: جَعَلْنَاكُمْ كأنكم حاجزٌ بين بعضِه

(^١) انظر: المفردات (مادة: فرق) ص٦٣٢، القرطبي (١/ ٣٨٧). (^٢) انظر: الدر المصون (١/ ٣٤٩).

1 / 75