العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير
محقق
خالد بن عثمان السبت
الناشر
دار عطاءات العلم (الرياض)
رقم الإصدار
الخامسة
سنة النشر
١٤٤١ هـ - ٢٠١٩ م (الأولى لدار ابن حزم)
مكان النشر
دار ابن حزم (بيروت)
تصانيف
﴿بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ﴾ الصبرُ: مصدرُ صَبَرَ صَبْرًا، وهذه المادةُ تَتَعَدَّى وَتَلْزَمُ، فمن تعدِّيها في القرآنِ ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ﴾ الآيةَ [الكهف: آية ٢٨]، وَمِنْ لُزُومِهَا في القرآنِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا﴾ الآيةَ [آل عمران: آية ٢٠٠]، ﴿وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾ [الشورى: آية ٤٣]. وقال بعضُ العلماءِ: هي متعديةٌ دائمًا إلا أنها يَكْثُرُ حذفُ مَفْعُولِهَا، وَمِنْ تَعْدِيَتِهَا في كلامِ العربِ قولُ عنترةَ (^١)، وقيل أبو ذؤيب:
فَصَبَرْتُ عَارِفَةً لِذَلِكَ حُرَّةً ... تَرْسُو إِذَا نَفْسُ الْجَبَانِ تَطَلَّعُ
والصبرُ خصلةٌ من خصالِ الخيرِ عظيمةٌ، صَرَّحَ اللَّهُ في سورةِ فُصِّلَتْ أنه لَا يُعْطِيهَا لكلِّ الناسِ، وإنما يُعْطِيهَا لصاحبِ الحظِّ الأكبرِ، والنصيبِ الأَوْفَرِ، وذلك في قوله: ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَاّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَاّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ [فصلت: آية ٣٥].
وهذه الخصلةُ التي هي الصبرُ لا يعلمُ جزاءَها إلا اللَّهُ، كما قال جل وعلا: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزمر: آية ١٠]، والصائمون مِنْ خِيَارِ الصابرين؛ وَلِذَا قال ﷺ فيما يَرْوِيهِ عن رَبِّهِ: «إِلَاّ الصَّوْمَ فَهُوَ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» (^٢).
_________
(^١) شرح ديوان عنترة ص ٨٥ وفي القرطبي (١/ ٣٧١) ونسبه لعنترة جازما بذلك.
(^٢) قطعة من حديث أخرجه البخاري في صحيحه، من حديث أبي هريرة ﵁، كتاب الصيام، باب: فضل الصوم، حديث رقم (١٨٩٤) (٤/ ١٠٣)، وقد أخرجه في مواضع أخرى، انظر: الأحاديث رقم (١٩٠٤، ٥٩٢٧، ٧٤٩٢، ٧٥٣٨)، ومسلم في صحيحه - واللفظ له - كتاب الصيام، باب: فضل الصيام، حديث رقم (١١٥١) (٢/ ٨٠٦).
1 / 46