الأخلاق والسير في مداواة النفوس
محقق
بلا
الناشر
دار الآفاق الجديدة
رقم الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٣٩٩هـ - ١٩٧٩م
مكان النشر
بيروت
لَيْلَة إِذا نَام نسي كل مَا يشفق عَلَيْهِ فِي يقظته وكل مَا يشفق مِنْهُ وكل مَا يشره إِلَيْهِ فتجده فِي تِلْكَ الْحَال لَا يذكر ولدا وَلَا أَهلا وَلَا جاها وَلَا خمولا وَلَا ولَايَة وَلَا عزلة وَلَا فقرا وَلَا غنى وَلَا مُصِيبَة وكفي بِهَذَا واعظا لمن عقل من عَجِيب تَدْبِير الله ﷿ للْعَالم أَن كل شَيْء اشتدت الْحَاجة إِلَيْهِ كَانَ ذَلِك أَهْون لَهُ وَتَأمل ذَلِك فِي المَاء فَمَا فَوْقه وكل شَيْء اشْتَدَّ الْغنى عَنهُ كَانَ ذَلِك أعز لَهُ وَتَأمل فِي الْيَاقُوت الْأَحْمَر فَمَا دونه النَّاس فِيمَا يعانونه كالماشي فِي الفلاة كلما قطع أَرضًا بَدَت لَهُ أرضون وَكلما قضى الْمَرْء سَببا حدثت لَهُ أَسبَاب صدق من قَالَ إِن الْعَاقِل معذب فِي الدُّنْيَا وَصدق من قَالَ إِنَّه فِيهَا مستريح فَأَما تعذيبه فَفِيمَا يرى من انتشار الْبَاطِل وَغَلَبَة دولته وَبِمَا يُحَال بَينه وَبَينه من إِظْهَار الْحق وَأما رَاحَته فَمن كل مَا يهتم بِهِ سَائِر النَّاس من فضول الدُّنْيَا إياك وموافقة الجليس السيء ومساعدة أهل زَمَانك فِيمَا يَضرك فِي أخراك أَو فِي دنياك وَإِن قل فَإنَّك لَا تستفيد بذلك إِلَّا الندامة حَيْثُ لَا ينفعك النَّدَم وَلنْ يحمدك من ساعدته بل يشمت بك وَأَقل مَا فِي ذَلِك وَهُوَ الْمَضْمُون أَنه لَا يُبَالِي بِسوء عاقبتك وَفَسَاد مغبتك وَإِيَّاك وَمُخَالفَة الجليس ومعارضة أهل زَمَانك فِيمَا لَا يَضرك فِي دنياك وَلَا وَفِي أخراك وَإِن قل فَإنَّك تستفيد بذلك الْأَذَى والمنافرة والعداوة
1 / 62