الأخبار الموفقيات للزبير بن بكار

الزبير بن بكار ت. 256 هجري
69

الأخبار الموفقيات للزبير بن بكار

محقق

سامي مكي العاني

الناشر

عالم الكتب

رقم الإصدار

الثانية

سنة النشر

١٤١٦هـ-١٩٩٦م

مكان النشر

بيروت

حَدَّثَنِي الْمَدَائِنِيُّ، قَالَ: " خَرَجَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَبَصُرَ فِي صَحْنِ دَارِهِ بِجَارِيَةٍ مِنْ جَوَارِيهِ، أَعَزُّهُنَّ عَلَيْهِ، وَأَحَبُّهُنَّ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهَا: مَا أَوْقَفَكِ هَذَا الْمَوْقِفَ؟ قَالَتْ: ذَكَرْتُ قَوْلَ اللَّهِ ﵎: ﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ [آل عمران: ١٩١]، وَإِذَا هَاتِفٌ يَهْتِفُ، وَيَقُولُ: مَحْجُوبَةٌ سَمِعَتْ صَوْتِي فَأَرَّقَهَا ... مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ لَمَّا بَلَّهَا السَّحَرُ تُدْنِي عَلَى الْجِيدِ مِنْهَا مِنْ مُعَصْفَرَةٍ ... وَالْحُلِيُّ مِنْهَا عَلَى لُبَّاتِهَا حَصِرُ فَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ لِحَاجِبِهِ: عَلَيَّ بَرَأسِ الرَّجُلِ السَّاعَةَ. قَالَ: وَخَلَتِ الْجَارِيَةُ بِغُلامٍ لَهَا صَغِيرٍ، فَقَالَتْ: أَنْذِرِ الرَّجُلَ وَلَكَ عَشْرَةُ آلافِ دِرْهَمٍ، وَأَنْتَ حُرٌّ. فَخَرَجَ الْغُلامُ، فَسَبَقَ إِلَى الرَّجُلِ فَأَنْذَرَهُ، فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ أَمَرَ فِيكَ بِضَرْبِ عُنُقِكَ، فَأَمْسِكَ عَلَيْكَ صَوْتَكَ. فَأَمْسَكَ، فَرَجَعَ الْحَاجِبُ. فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا أَحْسَسْتُ لِلْصَوْتِ أَثَرًا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلامٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: " كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ الْحَسَنِ بْنِ أَبِيِ الْحَسَنِ، إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ، فَوَقَفَ عَلَى رَأْسِهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، إِنَّكَ سُئِلْتَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِيِ طَالِبٍ ﵁، فَقُلْتَ لَهُ: لَوْ كَانَ فِي الْمَدِينَةِ يَأْكُلُ مِنْ حَشَفِهَا وَتَمْرِهَا، كَانَ خَيرًا مِمَّا صَنَعَ. فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي كَلِمَةُ بَاطِلٍ، حَقَنْتُ بِهَا دَمِي. أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ فَقَدْتُمُوهُ سَهْمًا مِنْ سِهَامِ اللَّهِ صَائِبًا لِعَدُوِّ اللَّهِ، لَيْسَ بِالسَّرُوقَةِ مَالِ اللَّهِ، وَلا بِالنَّئُومَةِ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ، رَبَّانِيُّ هَذِهِ الأُمَّةِ فِي عِلْمِهَا وَفَضْلِهَا وَقِدَمِهَا، أَعْطَى الْقُرْآنَ عَزَائِمَهُ فِيمَا عَلَيْهِ وَلَهُ، حَرَّمَ حَرَامَهُ، وَأَحَلَّ حَلالَهُ، حَتَّى أَوْرَدَهُ ذَلِكَ عَلَى رِيَاضٍ مُونِقَةٍ، وَحَدَائِقَ مُغْدِقَةٍ، ذَاكَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ﵁ يَا لُكَعُ حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: " خَرَجَ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ حَاجًّا، وَكَانَ إِذَا أَمَرَ بِأَمْرٍ لا يُرَاجَعُ فِيهِ. قَالَ: فَسَأَلَهُ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ لِقَهْرَمَانِهِ: هَاتِ خَمْسَمِائَةَ، فَجَاءَهُ بِخَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ. فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ إِلا دِرْاهِمَ، فَأَمَّا إِذْا جِئْتَ بِهَا دَنَانِيرَ، فَادْفَعْهَا إِلَيْهِ. قَالَ: فَصَبَّهَا فِي شَمْلَةِ الأَعْرَابِيِّ. فَطَفِقَ الأَعْرَابِيُّ يَبْكِي. فَقَالَ: مَا يُبْكِيكَ يَا أَعْرَابِيُّ؟ أَسْتِقْلالا لَهَا؟ قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَبْكِي فَرَحًا بِهَا إِذْ جَاءَتْ، وَلا أَسًى عَلَيْهَا إِذْ فَاتَتْ، غَيْرَ أَنِّي أَبْكِي أَنَّ الأَرْضَ تَأْكُلُ مِثْلَكَ، ثُمَّ أَنْشَأَ، يَقُولُ: أَنْتَ خَيْرُ الْمَتَاعِ لَوْ كُنْتَ تَبْقَى ... غَيْرَ أَنْ لا بَقَاءَ للإِنْسَانِ لَيْسَ فِيمَا بَدَا لَنَا مِنْكَ عَيْبٌ ... عَابَهُ النَّاسُ غَيْرَ أَنَّكَ فَانِ

1 / 69