فالمدينة بطبيعتها الزراعية وتوافر المياه في أراضيها شجعت أصحاب الثروات الكبيرة والمتوسطة على إقامة مزارع تغل لهم محصولا جيدا (1). وكان بعض أهل المدينة يملكون مزارع خارج المدينة المنورة وفرت لهم دخلا جيدا مكنهم من مواصلة حياتهم الكريمة.
أما التجارة فقد تغيرت شيئا ما، فقد اتسعت التجارة المتوسطة والصغيرة وتقلصت التجارة الضخمة التي كانت تسوق القوافل الكبيرة ولم نعد نسمع بمثل قوافل عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف التي تصل إلى ألف جمل ومع أن المدينة المنورة كانت على الطريق التجارية من اليمن إلى الشام، إلا أن الاضطرابات السياسية قللت من القوافل الضخمة لأهل المدينة، غير أن سوق المدينة ظلت عامرة بما يفد إليها من أسواق الكوفة والبصرة والشام واليمن، وكان أصحاب القوافل من أهالي تلك البلاد غالبا ما يأتون بتجارتهم فيبيعونها ويعودون بالأموال وبما يحملونه من منتجات المدينة إلى بلادهم.
وقد أسهمت مواسم الحج والعمرة في تنشيط التجارة المتوسطة، إذ كان بعض الحجاج يجمع بين الهدف التعبدي والعمل التجاري، والإسلام يبيح مثل هذا الجمع {ليشهدوا منافع لهم} (1) فتمتلئ سوق المدينة بكميات من واردات البلاد المختلفة ولاسيما الثياب والعطور والسكر وبعض أنواع البسط والحلي.
أما الصناعة فقد ظلت في هذه الفترة تعتمد على الموالي والعبيد، وقد أسهمت الثروات الجديدة في تنمية بعض الحرف، فكان الرجل يقتني عددا من العبيد المهرة في النجارة أو الحدادة أو البناء أو صنع الأثاث أو غير ذلك من الحرف، ويقيم لهم مصانع يعملون بها، ويحصل على دخل جيد من عائداتها، ولكن تلك الصناعة لم تتجاوز سد الحاجة المحلية غالبا فلم يعرف عن المدينة أنها تصدر شيئا من مصنوعاتها إلى المدن الأخرى (2).
صفحة ٣٠