70...
الفتنة الرابعة سنة 1189 فتنة الدوس، وسميت بذلك لكثرة ما وقع
فيها من الدوس والمهالك
وذلك أنه لما تم للقمقمجى مراده، وصار بيده حل الأمور واستبداده، صارت جماعة المكي بينهم ضحكة، ومسخرسة مستضحكة، بل إنهم جرى لعقلهم الفاسد، ورأيهم الخاسر الكاسد، أن الباشا إنما فعل ذلك خوفا منهم، وقدت تواترت كثير من الخرافات عنهم، حتى أنهم صاروا مثلا يضرب بهم فيقال: فلان عقله مثل عقل العبيد، ومن أعجب أمرهم، وليس بعجب في حقهم، أن بقرا أدخل رأسه في زير، فحشر رأسه في ذلك الجفير، فأشار عليهم كبير منه كبرائهم، وعظيم نم عظمائهم، هو مرد لهم عند المشورة، معهد لهم عند الشورة، بقطع رأس البقرة فلم يخرج فقال: اكسروا الزير بحجر، ثم علا صياحه وبدا نياحه، فسئل عن السبب، فقال: من يدبركم إذا استولى على العطب، وهكذا فقس على ذلك وها من أدنى أحوالهم، وحبس أحمد مكي عند الشريف مده ثم إنه أذن له إلى المجئ إلى المدينة على شرط أنه يلزم بها أدبه ويلازم بيته ومتعبدة، ويترك عنه القال والقيل، ويمشي على أوضح السبيل، وأن يكون المدينة طلعة يعنى حكمه لمن أطلعه فجاء إلى المدينة وأوفى بما التزم، وأصم أذنيه بما يطرق سمعه من اللعن والشتم، كل ذلك مراعاة لخاطر الشريف، ولم يزل الحال بينهم في زيادة، إلى ن أبدت مبادى الفتن وظهر بعض الشرر ليلة سبعة عشر من صفر 1189 ألف ومائة وتسع وثمانين فصار كل من الآخر على حذر، واستطال بيهم الحال إلى يوم الجمعة سبعة عشر من ربيع الثاني من السنة المذكورة، فتوجه الناس لصلاة الجمعة، ولما صاروا فيه جمواعا مجتمعه، طلع الخطيب وكان إذ ذاك الأفندي محمد بالي وهي أول مباشرته، ثم لما أتم الخطبة وقام إلى الصلاة بأوفر الهيآت، فهم بين القيام للملك المعبود في حالة السجود، وإذ بسنارى عليه الجنون طارئ، صاح في المسجد صيحة عظيمة ملأت قلوب الناس رعبا فظن كل من جماعة القمقمجي والمكي أن الآخر هجم عليه لأن كلا من الآخر على...
صفحة ٧٠