٤٠- أبو هفان قال: حدثني يوسف ابن الداية قال: كان محمد الأمين مستهترا بالشرب فاصبح يوما وأبو نواس عنده مع باقي ندمائه. فقال الأمين: يكال لنا ما نشربه اليوم حتى ننظر أجودنا شرابا وأسرعنا انتشاء. ولأجودنا شربا حكمه، فما زالوا يشربون إلى نصف الليل، ثم نام القوم سكرا وبقي محمد وأبو نواس وكوثر قعودا يشربون ثم نام محمد وكوثر وبقي أبو نواس وحده فلم ير له مساعدا فأغفى غفوة ثم انتبه وقرب الشراب وأشار إلى بعض الندماء يحركهم للقيام وينبههم واحدا واحدا فيشرب معه بعضهم، ويجد بعضهم سكران لا حراك له، فجاء إلى مرقد الأمين فصاح به وقال: يا أمير المؤمنين ضيعت فينا ما سننت من الإنصاف في رعيتك وأفردتني بالشرب، فأفاق الأمين من وسنه وقعد يشرب معه فقال له الأمين: ويلك لقد بخست نفسك لذة هي أعظم من اعتكافك على هذا الشرب. قال: وما هي يا أمير المؤمنين؟ قال: النوم الذي به تصح تراكيب البدن وعليه يعتدل الجسد. فقال: يا سيدي لذة هذا الشراب تقوم مقام النوم، فشربا بقية ليلتهما ثم أراد محمد الأمين أن ينام بعدما أصبح فقال له أبو نواس: يا سيدي استمع مني أبياتا حضرت وأنشده:
وندمان يرى غبنا عليه ... بأن يلفي وليس به انتشاء
إذا نبهته من نوم سكر ... كفاه مرة منك النداء
فليس بقائل لك أصدر بي ... ولا مستخبر لك: ما تشاء؟
ولكن سقني ويقول أيضًا ... عليك الصرف إذ أعياك ماء
إذا ما أدركته الظهر حيا ... فلا عصر عليه ولا عشاء
يصلي هذه في وقت هذي ... وكل صلاته أبدا قضاء
وذاك محمد تفديه نفسي ... وحق له وقل له الفداء
فقال الأمين: أحسنت والله، يا كوثر، بحياتي أعطه لكل بيت ألف درهم قال أبو نواس: هذا حق الأبيات فأين حق غلبتكم في الشرب؟ فقال: احتكم ما شئت نجز حكمك. فقال: مثل حق الأبيات، قال: وتعمل بها ماذا؟ قال: أبكر في هذه الغداة الطيبة إلى الغزل فإني قد هويتها منذ أيام فأتنزه وأشرب وأرجع، قال: يا كوثر أنجز حكمه لا بارك الله فيها.
٤١- أبو هفان قال: حدثت أن أبا نواس وعلي بن الخليل مولى يزيد بن مزيد الشيباني وإسماعيل القراطيسي ورزين الكاتب اجتمعوا في سوق الكرخ فتذاكروا الأدب وتفننوا في أنواع العلم ووجوهه فلما اشتد الحر ومسهم الجوع قالوا: أين نحن اليوم؟ فكل قال: عندي، فقال علي بن الخليل - وكان أسنهم -: ليصف كل رجل ما عنده فأينا نزعت الأنفس إلى ما عنده صرنا إليه فابتدرهم أبو نواس فقال:
ألا قوموا أخلاي ... إلى حانوت خمار
إلى صهباء كالمسك ... لدى جونة عطار
وبستان به نخل ... لدى زهر وأشجار
وأطعمكم به لحما ... من الوحش والأطيار
ثم قال علي بن الخليل الكوفي:
لألا قوموا أخلاي ... إلى قصف بتمكين
إلى صهباء كالورس ... وأبكار من العين
وألحان بديعات ... بحذاق الحويسين
ثم قال إسماعيل القراطيسي:
ألا قوموا أخلاي ... إلى بيت القراطيسي
فقد هيا لكم خمرا ... وذاك الأمرد الطوسي
وقد هيا التي جاءت ... لنا من أرض بلقيس
وألوانا من الطير ... وألوانا من العيس
وقينات من الحور ... كأمثال الطواويس
فن.... يا قوم ... على رغم من ابليس
وقال رزين الكاتب:
ألا قوموا اخلاي ... لداري لا إلى غيري
فعندي مجلس حلو ... كثير الورد والخيري
وعندي من إذا غنى ... تهم الأرض بالسير
فحيوا بعضكم بعضا ... فما ذاك من ضير
فقالوا له: أربيت علينا قولا فنحن نصير إليك ولا نحتاج إلى أي.. واجتمعوا في منزله.
٤٢- أبو هفان قال: حدثني علي بن أبي خاصة قال:
1 / 16