ثم نام مكانه سكران، فلما كان جوف الليل قال: نفسي تحدثني أني تكلمت بعظيمة الليلة. فقلت: نعم قلت كذا وكذا ولم تصل، فقال: إنا لله، ادع لنا بماء فدعوت له فأسبغ الوضوء وصلى صلاة حسنة تامة ولم ينم باقي ليلته وجعل بستغفر الله ويدعو إلى لاصباح فلما أصبحنا حدثت ابي حديثه فقال: هذا أصلح من تماديه في الغي: فقال له أبي: إنك قلت البارحة كذا وكذا فقال بعد ما عاتبه أبي:
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل ... خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل طرفة ... ولا أن ما يخفى عليه يغيب
لهونا لعمر الله حتى تتابعت ... ذنوب على آثارهن ذنوب
٣٨- قال: واجتمع أبو داوود بن رزين الواسطي وأبو نواس والحسين الخليع وفضل الرقاشي وعمر والوراق والحسين بن الخياط في منزل عنان جارية الناطفي فتناشدوا إلى وقت الظهر فلما أرادوا الانصراف قالوا: أين نحن العشية؟ فكل قال: عندي، فقالت عنان جارية الناطفي: بالله إلا ما قلتم في هذا شعرا وتراضيتم بحكمي فيكم فأنشأ داود يقول:
قوموا إلى قصف لهو ... وظل بيت كنين
فيه من الورد والم ... رزنجوش والياسمين
وريح مسك ذكي ... يجيد الزرجون
وقينة ذات غنج ... وذات عقل رصين
تشدو بكل طريف ... من محكم ابن رزين
وقال أبو نواس:
لا بل إلى ثقاتي ... قوموا بنا بحياتي
قوموا نلذ جميعا ... بقول هاك وهات
وقال الخليع:
انا الخليع فقوموا ... إلى شراب الخليع
إلى شراب لذيذ ... وأكل جدي رضيع
ونيل أحوى رخيم ... بالخندريس صريع
في روضة جادهاص ... وب غاديات الربيع
قوموا ننال جميعا ... منال ملك رفيع
وقال الرقاشي:
لله در عقار ... حلت ببيت الرقاشي
عذراء ذات احمرار ... إني بها لا أحاشي
قوموا نداماي رووا ... مشاشكم ومشاشي
وناطحوني بأكوا ... سها نطاح الكباش
(فإن نكلت فحل ... لكم دمي ورياشي)
وقال (عمرو الوراق):
عوجوا إلى بيت عمرو ... إلى سماع وخمر
وما شجاه علينا ... يطاع في كل أمر
وبيسري رخيم ... يزهو يجيد ونحر
فذاك بر وإن شئ ... تمو أتينا ببحر
هذا وليس عليكم ... أولى ولا وقت عصر
وقال حسين الخياط:
قضت عنان علينا ... بأن نزور حسينا
وأن تقروا لديه ... باللهو والقصف عينا
فما رأينا كظرف الحس ... ين فيما رأينا
فقرب الله منه ... زينا وباعد شينا
قوموا وقولوا أجزنا ... ما قد قضيت علينا
فقالت عنان:
مهلا فديتك مهلا ... عنان أحرى وأولى
بأن تنالوا لديها ... أشهى النعيم وأحلى
فإن عندي حراما ... من النعيم وحلا
لا تطمعوا في سوائي ... من البرية كلا
يا خيرتي خبروني ... أجاز حكمي أم لا
فقالوا لها: قد أجزنا، وأقاموا عندها.
٣٩- أبو هفان قال: حدثني ابن أبي خاصة قال: حدثني إبراهيم بن الخصيب بن عبد الحميد قال: كان أبو نواس يشرب يوما عند أبي فامله السكر فلما كان في بعض الليل قام ليبول ثم بال وقعد على بوله وقال: والله لأقولن الليلة شعرا لم أقل مثله قط ثم أنشأ يقول:
يا شفيق الروح من حكم ... نمت عن ليلي ولم أنم
فاسقني البكر التي اعتجزت ... بخمار الشيب في الرحم
ثمت انصات الشباب لها ... بعدما جازت مدى الهرم
فهي لليوم الذي بزلت ... وهي ترب الدهر في القدم
عتقت حتى لو اتصلت ... بلسان ناطق وفم
لاحتبت في البت مائلة ... ثم قصت قصة الأمم
فرعتها بالمزاح يد ... خلقت للكاس والقلم
في ندامى سادة نجب ... أخذوا اللذات من أمم
فتمشت في مفاصلهم ... كتمشي البرء في السقم
فعلت في البيت إذ مزجت ... مقل ما فعل الصبح في الظلم
فاهتدى ساري الظلام بها ... كاهتداء السفر بالعلم
قال إبراهيم ابن الخصيب: فابتدأ ينشد وأنا أكتب ما يقول على جص الحائط فلما كان من غد وأفاق قال: أحسبني قلت البارحة شعرا وقد أنسيته فأنشدته إياه فأحسن أبي جازتي وكتبه أبو نواس مني.
1 / 15