أحكام القرآن لابن العربي
الناشر
دار الكتب العلمية
الإصدار
الثالثة
سنة النشر
١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م
مكان النشر
بيروت - لبنان
بِأَنْ يَكُونَ السَّفِيهُ وَالضَّعِيفُ وَاَلَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ، قَرِيبًا بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ فِي الْمَعْنَى؛ فَإِنَّ الْعَرَبَ تُطْلِقُ السَّفِيهَ عَلَى ضَعِيفِ الْعَقْلِ تَارَةً وَعَلَى ضَعِيفِ الْبَدَنِ أُخْرَى، وَأَنْشَدُوا:
مَشَيْنَ كَمَا اهْتَزَّتْ رِمَاحٌ تَسَفَّهَتْ ... أَعَالِيهَا مَرُّ الرِّيَاحِ النَّوَاسِمِ
أَيْ: اسْتَضْعَفَتْهَا وَاسْتَلَانَتْهَا فَحَرَّكَتْهَا. وَكَذَلِكَ يُطْلَقُ الضَّعِيفُ عَلَى ضَعِيفِ الْعَقْلِ، وَعَلَى ضَعِيفِ الْبَدَنِ، وَقَدْ قَالُوا: الضُّعْفُ بِضَمِّ الضَّادِ فِي الْبَدَنِ، وَفَتْحِهَا فِي الرَّأْيِ، وَقِيلَ هُمَا لُغَتَانِ، وَكُلُّ ضَعِيفٍ لَا يَسْتَطِيعُ مَا يَسْتَطِيعُهُ الْقَوِيُّ؛ فَثَبَتَ التَّدَاخُلُ فِي مَعْنَى هَذِهِ الْأَلْفَاظِ. وَتَحْرِيرُهَا الَّذِي يَسْتَقِيمُ بِهِ الْكَلَامُ وَيَصِحُّ مَعَهُ النِّظَامُ أَنَّ السَّفِيهَ هُوَ الْمُتَنَاهِي فِي ضَعْفِ الْعَقْلِ وَفَسَادِهِ، كَالْمَجْنُونِ وَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ، نَظِيرُهُ الشَّاهِدُ لَهُ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا﴾ [النساء: ٥] عَلَى مَا سَيَأْتِي فِي سُورَةِ النِّسَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا الضَّعِيفُ فَهُوَ الَّذِي يَغْلِبُهُ قِلَّةُ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ كَالطِّفْلِ نَظِيرُهُ، وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ﴾ [النساء: ٩] وَأَمَّا الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ فَهُوَ الْغَبِيُّ الَّذِي يَفْهَمُ مَنْفَعَتَهُ لَكِنْ لَا يَلْفِقُ الْعِبَارَةَ عَنْهَا.
وَالْأَخْرَسُ الَّذِي لَا يَتَبَيَّنُ مَنْطِقَهُ عَنْ غَرَضِهِ؛ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَنْفِ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ خَاصَّةً.
[مَسْأَلَةٌ قَوْله تَعَالَى فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ]
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ: قَوْله تَعَالَى: ﴿فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ﴾ [البقرة: ٢٨٢] اخْتَلَفَ النَّاسُ عَلَى مَا يَعُودُ ضَمِيرُ وَلِيِّهِ عَلَى قَوْلَيْنِ: الْأَوَّلُ: قِيلَ يَعُودُ عَلَى الْحَقِّ؛ التَّقْدِيرُ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّ الْحَقِّ.
الثَّانِي: أَنَّهُ يَعُودُ عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ؛ التَّقْدِيرُ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ الْمَمْنُوعُ مِنْ الْإِمْلَاءِ بِالسَّفَهِ وَالضَّعْفِ وَالْعَجْزِ.
1 / 331