أحكام القرآن لابن العربي
الناشر
دار الكتب العلمية
الإصدار
الثالثة
سنة النشر
١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م
مكان النشر
بيروت - لبنان
وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ أَيْضًا نَحْوٌ مِنْهُ، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ﴾ [البقرة: ٢٨٣] لَمَّا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُنَّ فِي الَّذِي تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ أَرْحَامُهُنَّ، وَقَوْلُ الشَّاهِدِ أَيْضًا فِيمَا وَعَاهُ قَلْبُهُ مِنْ عِلْمِ مَا عِنْدَهُ مِمَّا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّنَازُعِ.
[مَسْأَلَةٌ قَوْله تَعَالَى فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا]
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ:
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا﴾ [البقرة: ٢٨٢] أَمَّا السَّفِيهُ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ الْجَاهِلُ؛ قَالَهُ مُجَاهِدٌ. الثَّانِي: أَنَّهُ الصَّبِيُّ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ الْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ؛ قَالَهُ الْحَسَنُ. الرَّابِعُ: الْمُبَذِّرُ لِمَالِهِ الْمُفْسِدُ لِدَيْنِهِ؛ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ.
وَأَمَّا الضَّعِيفُ فَقِيلَ: هُوَ الْأَحْمَقُ، وَقِيلَ: هُوَ الْأَخْرَسُ أَوْ الْغَبِيُّ، وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيُّ.
وَأَمَّا الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ، فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ الْغَبِيُّ؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. الثَّانِي: أَنَّهُ الْمَمْنُوعُ بِحُبْسَةٍ أَوْ عِيٍّ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ الْمَجْنُونُ.
وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ طَوِيلٌ نُخْبَتُهُ: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقَّ أَرْبَعَةَ أَصْنَافٍ: مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ يُمِلُّ، وَثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ لَا يُمِلُّونَ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْأَصْنَافُ الثَّلَاثَةُ صِنْفًا وَاحِدًا أَوْ صِنْفَيْنِ؛ لِأَنَّ تَعْدِيدَ الْبَارِي سُبْحَانَهُ كَأَنَّهُ يَخْلُو عَنْ الْفَائِدَةِ، وَيَكُونُ مِنْ فَنِّ الْمُثَبَّجِ [مِنْ] الْقَوْلِ الرَّكِيكِ مِنْ الْكَلَامِ، وَلَا يَنْبَغِي هَذَا فِي كَلَامٍ حَكِيمٍ، فَكَيْفَ فِي كَلَامِ أَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ.
فَتَعَيَّنَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ صِنْفٍ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ مَعْنًى لَيْسَ لِصَاحِبِهِ حَتَّى تَتِمَّ الْبَلَاغَةُ، وَتَكْمُلَ الْفَائِدَةُ، وَيَرْتَفِعَ التَّدَاخُلُ الْمُوجِبُ لِلتَّقْصِيرِ؛ وَذَلِكَ
1 / 330