بيان لا بد منه قبل أن أضع القلم من إعداد الطبعة الثانية لهذا الكتاب أجد من الضرورى أن أنشر هذا البيان لاجيب فيه عن ملاحظتين دقيقتين أبدى إحداهما العالم الجليل الدكتور طه حسين بعد أن قرأ الكتاب في طبعته الاولى مرتين - كما صرح بذلك حفظه الله - في الفصل الممتع الذى تفضل فكتبه عن كتابنا هذا ، وأثنى فيه عليه وعلى مؤلفه ثناء طيبا استحق من أجله أن أقدم له أجمل الشكر وأخلص الحمد ، وقد إستخرنا الله في أن نجعل هذا الفصل مقدمة لهذه الطبعة . أما الملاحظة الاولى فقد أبداها مع الدكتور بعض العلماء وهى : أنى - وأنا أقص على الناس قصة الحديث ، وأبين لهم ما أصابه من فعل الرواة ، وما اعتراه من وضع الوضاعين وغيرهم ، وما إلى ذلك مما بينته في كتابي - أعود فأستشهد ببعض الاحاديث وأجعلها من أدلتي فيما أريد من إثبات أو نفي ، أو غير ذلك ! مما قد يبدو في ظاهر الامر أنه تناقض . وقد يكون لهذه الملاحظة حظ من الاعتبار - إذا كنت أنا أعتقد صحة الاحاديث التى أستشهد بها ، وأقطع بأنها قد جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم بألفاظها ومعانيها ! ولكى أدرأ عن نفسي هذه الشبهة أقول : إن الاحاديث التى أوردها في سياق كلامي للاستدلال بها على ما أريد في كتابي ، إنما أسوقها لكى نقنع من لا يقتنع إلا بها ، على إعتبار أنها عنده من المسلمات التى يصدقها ولا يمارى فيها . وأنا إذ أفعل ذلك لم أخرج عن أصول المنطق وأساليب الحجاج والجدل ، فهناك ما يمسى " بالدليل الاقناعى " وهو أن يحتج على الخصم بما هو مسلم عنده ، كأن يحتج المسلم على النصراني بما في الانجيل ، وهو في نفسه غير مؤمن بما يحتج به ، أو عكس ذلك ، أو الذى يسمونه " دليل الالزام " الذى يقولون فيه " ألزموهم أضواء على السنة المحمدية
--- [ 34 ]
صفحة ٣٣