ينهى العاقل عن سفك دم الرجل أو اضطهاده وهو من أبغض الناس إليه؛ تألما من مشهد الظلم، أو حذرا مما ينشأ عنه من قتنة.
ودل بقوله: ﴿أَنْ يَقُولَ رَبِّي اللَّهُ﴾ على ما لهذا الرجل من فضل في العقيدة، وأومأ إلى أنه لم يجيء شيئا نكرا يستحق به هذه العقوبة الصارمة، وذكّرهم إذ قال: ﴿وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ بالدلائل القائمة، على صدقه في دعوى الرسالة، وقد أخذ يتقرب بهذه الجملة في دعوتهم إلى الإيمان به، ولم يرد التظاهر بأنه من شيعته، فعزل نفسه عمن جاءهم بهذه البينات، وأضاف مجيئها إليهم خاصة، ثم استرسل في موعظته المنسوجة في أدب الإنصاف إلى أن صدع ببطلان نحلتهم، ودعاهم إلى دين الحق بقوله الصريح - كما في قوله تعالى فيما يقصه عنه ـ: ﴿وَيَاقَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (٤١) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّار﴾ غافر١.
ومن التمهيد والتدرج في العرض تنزيل الأمر على أحوال السامعين، كأن يقول: ألا يحب الواحد منا أن يعيش عزيزا ذا كرامة؟ ألا يحب أن يكون بعيدا عن مواطن الهوان؟ ثم يخلص من ذلك إلى أن الإيمان والعمل الصالح كفيلان بذلك.
أو أن يقول: أيرضى الواحد منا بالدنية، أيرضى بأن يساء إليه؟ أو أن يساء إلى والديه؟ أو إخوانه؟ أو أولاده؟
والجواب - بلا شك - سيكون: لا.
فيقال: وكذلك الناس.
١ انظر: رسائل الإصلاح، ص٢٩ـ٣٢.
1 / 62