أدب الموعظة

الناشر

مؤسسة الحرمين الخيرية

رقم الإصدار

الأولى ١٤٢٤هـ

تصانيف

مقدمة ... بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد: فإن الإسلام دين يدعو إلى أقوم محجة، ويرمي إلى أشرف غاية. وما دعوته إلا هداية الناس إلى سبيل الحق، وتنبيههم إلى مكان الفضيلة. وما غايته إلا أن يحيا الناس حياة طيبة في العاجل، ثم يفوزوا في الآخرة بسعادة خالدة، وعطاء غير مجذوذ في الآجل. وللحق نور باهر، وللفضيلة جمال ساحر، ولكن النفوس الناشئة في بيئة خاسرة، أو الغارقة في أهواء سافلة يقف أمامها الحق فتخاله باطلا، وتتعرض لها الفضيلة فتحسبها شيئا منكر؛ فلا يكفي في دعوة الحق أن يطرق الداعي بها المجالس، ويصدع بكلمة الحق من غير أن يشد أزرها بالحجة، ويتخير لها الأسلوب الذي يجعلها مألوفة للعقول، خفيفة الوقع على الأسماء. وفي القرآن الكريم ما يدل على أن الدعوة الصادقة لا يثبت أصلها، وتمتد فروعها، وتؤتي ثمرها – إلا أن يقوم بناؤها على أساس الحجة، ويذهب بها الداعي كل مذهب حكيم، ويأخذ فيها بكل أدب جميل. وشواهد ذلك في القرآن كثيرة، قال الله- تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: ١٢٥] . وكذلك دعوة النبي- ﷺ إلى الإسلام؛ فإنها كانت محفوفة بما يقرب العقول إلى قبولها، وتألف النفوس إلى سماعها؛ فكان- ﷺ يراعي في إبلاغها

1 / 3

الطرق الكفيلة بنجاحها؛ فيورد لكل مقام مقالا يناسبه، ويكسو كل معنى من المعاني ثوبا يليق به، ويخاطب كل طائفة على قدر عقولهم، ويلا قيهم بالسيرة التي هي أدعى إلى إقبالهم، وأسرع أثرا في صرفهم عن غوايتهم. ولا ريب أن الوعظ عمل جليل، وله- في نظر الشارع- مقام رفيع. فلوعظ هو الدعوة إلى ما فيه خير وصلاح، والتحذير مما فيه شر وفساد. والواعظ هو الذي يرشد الجاهلين، وينبه الغافلين، ويعالج النفوس الطائشة مع أهوائها؛ ليعيدها إلى فطرتها السليمة من الإقبال على الفضائل، والترفع عن الرذائل. ولكن القيام بهذا العمل جهاد يحتاج إلى المعية مهذبة، ودراية بالطرق الحكيمة، علاوة على العلم الذي يميز به بين الحق الباطل، ويفرق به بين المعروف والمنكر. ثم إن العلم والنباهة، وحكمة الأسلوب لا تأتي بثمرتها المنشودة إلا أن يكون الواعظ طيب السريرة، مستقيم السيرة. هذه هي آداب الموعظة، وأدواتها على سبيل الإجمال.١ أما تفصيل ذلك فسيأتي في ثنايا الصفحات التالية- إن شاء الله-. وسيلحظ القارئ الكريم أن بعض تلك الآداب داخل في بعض، وأن بعض الآثار يصلح إيراده في أكثر من موضع؛ فلهذا قد يجمل الكلام في موضع، ويفصل في موضع آخر. ثم إن تلك الآداب شاملة لأدب الواعظ في نفسه، وأدبه في موعظته،

١ - انظر إلى كتاب: محمد رسول الله وخاتم النبيين ص١١٠ –١١١، وكتاب الدعوة إلى الإصلاح ص ٦٤-٦٥، وكلاهما للشيخ محمد الخضر حسين.

1 / 4

وطريقة عرضه. وقبل الدخول في تفصيل تلك الآداب يحسن الوقوف على تعريف الموعظة، وورودها في القرآن، وبيان مقاصدها وحكمها. فعسى أن تكون تلك الصفحات نافعة مباركة، وأن يكتب الله لها القبول، ولصاحبها الإصابة والإخلاص؛ إنه سميع قريب، والله مستعان وعليه التكلان، والحمد لله رب العالمين. محمد بن إبراهيم الحمد ٥/٨/١٤٢٣ الزلفي ١١٩٣٢ ص. ب:٤٦٠ www.toislam.org

1 / 5

تعريف الموعظة الموعظة في اللغة: مصدر الفعل وعظ. قال ابن فارس- ﵀: "الوعظ والعين والظاء كلمة واحدة؛ الوعظ التخويف، والعظة الاسم منه" ١ وقال ابن منظور- ﵀:"الوعظ والعظة والموعظة: النصح والتذكير بالعواقب. قال ابن سيدة: هو تذكيرك للإنسان بما يلين قلبه من ثواب وعقاب".٢ وقال الراغب الأصفهاني- ﵀: "الوعظ زجر مقترن بتخويف، قال الخليل: هو التذكير بالخير فيما يرق له القلب".٣

١ - معجم مقاييس اللغة لا بن فارس ٦/١٢٦. ٢ - لسان العرب لا بن منظور ٧/٤٦٦. ٣ - معجم مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني ص ٥٦٤.

1 / 6

ورود الموعظة في القرآن الكريم١ ورد لفظ الموعظة في القرآن على ثلاثة عشر وجها، وهي كما يلي: ١- أوعظت ٢- أعظك ٣- أعظكم ٤- تعظون ٥- يعظكم ٦- يعظه ٧- عظهم ٨- فعظوهن ٩- توعظون ١٠- يوعظ ١١- يوعظون ١٢- الواعظين ١٣- موعظة. وإليك الآيات التي وردت في ذلك: قال الله- تعالى-: ﴿قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنْ الْوَاعِظِينَ﴾ [الشعراء: آية ١٣٦] . وقال: ﴿إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ﴾ [هود: آية ٤٦] . وقال: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ﴾ [سبأ: آية ٤٦] . وقال: ﴿لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا﴾ [الأعراف: آية ١٦٤] . وقال: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ﴾ [البقرة: آية ٢٣١] . وقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ﴾ [النساء: آية ٥٨] . وقال: ﴿يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل: آية ٩٠] . وقال: ﴿يَعِظُكُمْ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ﴾ [النور: آية ١٧] . وقال: ﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ﴾ [لقمان: آية ١٣] . وقال: ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ﴾ [النساء: آية ٦٣] . وقال: ﴿فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ﴾ [النساء: آية ٣٤] .

١ - انظر المعجم الفهرس لألفاظ القرآن الكريم لمحمد فؤاد عبد الباقي ص ٩٢٣.

1 / 7

وقال: ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ﴾ [المجادلة: آية ٣] . وقال: ﴿ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [البقرة: آية ٢٣٢] . وقال: ﴿ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ [الطلاق: آية ٢] . وقال: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ﴾ [النساء: آية ٦٦] . وقال: ﴿فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: آية ٦٦] . وقال: ﴿فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ﴾ [البقرة: آية ٢٧٥] . وقال: ﴿هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: آية ١٣٨] . وقال: ﴿وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ﴾ [المائدة: آية ٤٦] . وقال: ﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً﴾ [الأعراف: آية ١٣٥] . وقال: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [يونس: آية ٥٧] . وقال: ﴿وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [هود: آية ١٢٠] . وقال: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾ [النحل: آية ١٢٥] . وقال: ﴿وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنْ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ﴾ [النور: آية ٣٤] .

1 / 8

مقاصد الموعظة وحكمها الموعظة باب من أبواب الدعوة إلى الله، وأسلوب من أساليب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. ويحسن ههنا إيراد مقاصد الموعظة وحكمها؛ حتى لا يظن أنها شرعت المصلحة معينه فإذا فاتت تلك المصالحة ظن أن الموعظة لم تؤت ثمرتها. ويمكن إجمال تلك المقاصد والحكم بما يلي:١ ١- إقامة حجة الله على خلقه: كما قال- تعالى-: ﴿رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِأَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ [النساء: آية ١٦٥] . ٢- الإعذار إلى الله- ﷿ والخروج من عهدة التكليف: قال الله – تعالى في صالحي القوم الذين اعتدى بعضهم في السبت: ﴿قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ﴾ [الأعراف: آية ١٦٤] . وقال- ﷿: ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ﴾ [الذاريات: آية ٥٤] . ٣- رجاء النفع للمأمور: كما قال- تعالى-: ﴿مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [الأعراف: آية ١٦٤] . وقال- ﷿: ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الذاريات: آية ٥٥] . ٤- رجاء ثواب الله- ﷿: إذ الدعوة باب عظيم من أبواب البر. ٥- الخوف من عقاب الله- ﵎: إذ إن ترك الدعوة مؤذن بالعقوبة.

١ - انظر جامع العلوم والحكم لا بن رجب ٢/٢٥٥، وأضواء البيان للشيخ محمد الأمين الشنقيطي ٢/١٧٦.

1 / 9

قال الله- تعالى-: ﴿مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ [المائدة: آية ٥٤] . وقال: ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ [محمد: آية ٣٨] . ١- النصيحة للمؤمنين: ورحمة بهم، ومحبة الخير لهم، والرغبة في إنقاذهم مما أوقعوا به أنفسهم فيه من التعرض لغضب الله وعقوبته في الدنيا والآخرة، وهذا قريب من الثالث. ٢- إجلال الله وإعظامه، ومحبته: وأنه أهل لأن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر، وأن يفتدى من انتهاك محارمه بالنفوس والأموال.

1 / 10

أدب الموعظة ... الوعظ عمل جليل- كما مر- والناس بحاجة ماسة إليه، والقائمون بالوعظ بحاجة إلى ما يذكرهم بنبل غايتهم، والسبل المعينة لهم على القيام برسالتهم. وقد مضى في المقدمة إجمال لآداب الموعظة، وفيما يلي تفصيلها. ١- التحلي بالتقوى وإخلاص النية: وذلك أمر يستمده الواعظ من قوة الإيمان بأن الله يعلم ما يسر الناس وما يعلنون، ومن علمه بأن الإخلاص عليه مدار العمل، ومن تيقنه بأن دعوته إلى فعل شيء هو تاركه أو إلى ترك شيء هو يفعله- لاتتجاوز الآذان إلى القلوب، بل قد تذهب كما يذهب الزبد جفاءا. وقد أشار القرآن المجيد إلى أن داعي الناس إلى معروف لا يفعله جدير بالتوبيخ، قال- تعالى-: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: آية ٤٤] . وقال- ﷿: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ [الصف: آية ٢] . والتقوى هي التي تجعل الواعظ مخلصا فيما يأمر به، أو ينهى عنه. وللإخلاص أثر كبير في نجاح الموعظة، وانشراح الصدور للانتفاع بها على أي حال. والتقوى الصادرة عن التفقه في الدين بحق هي التي تكسو الواعظ وقارا، وحسن سمت غير مصطنع، فتمتلىء القلوب بمهابته؛ فإذا ألقى موعظة ذهبت توا إلى القلوب، وأثمرت كلما طيبا، وعملا صالحا، وخلقا فاضلا.

1 / 11

ولهذا يحسن بالواعظ أن يتعاهد إيمانه، ويعز نفسه، ويصون علمه، وأن يترفع عن السفاسف، وأن يجانب مواطن الريب، ومواضع المهانة، وأن لا يسير إلا على ما يمليه الدين، وتقتضيه الحكمة والمروءة. وجدير به أن يكون ذا نفس زكية، وساحة طاهرة نقية؛ هو بشر، وما كان لبشر أن يدعي العصمة، أو الصواب فيما يقول، ويفعل إلا الأنبياء فيما يبلغون به عن ربهم- جل وعلا-. ولا يفهم من ذلك- أيضا- أن يدع الإنسان الوعظ إذا كان مقصرا في بعض الطاعات، أو ملما ببعض المخالفات. بل عليه أن يأمر وينهى ولو كان كذلك؛ فترك أحد الواجبين ليس مسوغا لترك الآخر. إذا لم يعظ في الناس من هو مذنب فمن يعظ العاصين بعد محمد قال الحسن المطرف بن عبد الله- رحمهما الله-:"عظ أصحابك، فقال المطرف: إني أخاف أن أقوال مالا أفعل. قال الحسن: يرحمك الله، وأينا يفعل ما يقول؟ يود الشيطان لو ظفر منا بهذا؛ فلم يأمر أحد بمعروف، ولم ينه أحد عن منكر".١ وقال سعيد بن جبير- ﵀: "لو كان المرء لا يأمر بالمعروف، ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء – ما أمر أحد بمعروف، ولا نهى عن منكر".٢ قال الإمام مالك- ﵀ معلما على مقولة سعيد بن جبير: "وصدق سعيد؛

١ -٢ تفسير القرطبي ١/٣٦٧.

1 / 12

ومن ذا الذي ليس فيه شيء".١ وقال الطبري- ﵀: "وأما من قال: لا يأمر بالمعروف إلا من ليست فيه وصمة فإن أراد الأولى فجيد، وإلا فيستلزم سد باب الأمر بالمعروف إذا لم يكن هناك غيره".٢ وقال ابن حزم- ﵀:"ولو لم ينه عن الشر إلا من ليس فيه شيء منه، ولا أمر بالمعروف إلا من استوعبه لما نهى أحد عن شر، ولا أمر أحد بخير بعد النبي- ﷺ".٣ وقال النووي- ﵀: "قال العلماء: لا يشترط في الآمر والناهي أن يكون كامل الحال، ممتثلا ما يأمر به، مجتنبا ما ينهى عنه. بل عليه الأمر وإن كان مخلا بما يأمر به، وإن كان متلبسا بما ينهى عنه؛ فإنه يجب عليه شيئان: أن يأمر نفسه، وينهاها، وأن يأمر غيره وينهاه؛ فإذا أخل بأحدهما كيف يباح له الإخلال بالآخر؟ ".٤ وقال شيخ محمد الأمين الشنقيطي- ﵀ بعد أن ساق بعض الآثار الواردة في ذم من يأمر بالمعروف ولا يفعله، وينهى عن المكر ويرتكبه: "واعلم أن التحقيق أن هذا الوعيد الشديد الذي ذكرنا من اندلاق الأمعاء في النار، وقرض الشفاه بمقاريض من النار ليس على الأمر بالمعروف، وإنما هو على ارتكاب المنكر عالما بذلك، ينصح الناس عليه؛ فالحق أتن الأمر غير ساقط عن صالح ولا طالح، والوعيد على المعصية لا على الأمر بالمعروف؛ لأنه في حد ذاته ليس فيه

١ - تفسير القرطبي ١/٣٦٧. ٢ - فتح الباري لابن حجر ١٣/٥٣. ٣ - الأخلاق والسير لابن حزم ص ٩٢. ٤ - شرح صحيح مسلم للنووي ٢/٢٣.

1 / 13

إلا الخير".١ ولا يفهم مما سبق أنه لا بأس على الواعظ في ترك المعروف، وفعل المنكر، بل يجب عليه فعل المعروف، وترك المنكر، بل يجب عليه أن يكون أول ممتثل لما يأمر به، وأول منته عما ينهى عنه. ١- العلم: فعلم الواعظ بما يقول هو الذي يجعل الموعظة نقية من إيراد الأحاديث الموضوعة، أو القصص المنبوذة، أو تحسين البدع، أو إضلال الناس. قال الله- ﷿: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ﴾ [يوسف: آية ١٠٨] . فلا بد للواعظ أن يكون على بصيرة فيما يدعو إليه من فعل أو ترك. وأن يكون عالما بحال المدعو، ولهذا لما بعث الرسول- ﷺ معاذا- ﵁ إلى اليمن قال: "إنك تأتي قوما من أهل الكتاب" الحديث.٢ وما ذلك إلا ليعرف حالهم؛ ليستعد لهم. ومن البصيرة- أيضا- أن يكون على بصيرة في كيفية الدعوة، وأساليبها. ولا يفهم من ذلك أنه لابد للواعظ أن يكون عالما متبحرا، وإنما المقصود ألا يدعو إلا بما يعلم، وألا يتكلم بما لا يعلم.٣ قال النبي- ﷺ: "بلغوا عني ولو آية". ٤ ومما يتعين على الواعظ معرفته والوقوف عليه- النظر في المصالح والمفاسد. وسيأتي بيان وتفصيل لذلك في الصفحات التالية.

١ - أضواء البيان٢/١٧٣. ٢ - رواه البخاري [١٤٥٨] و[١٤٩٦] و[٧٣٣١]، ومسلم [١٩] ٣ - انظر الصحوة الإسلامية ضوابط وتوجيهات للشيخ محمد بن عثيمين ص٢٦- ٣١ ٤ - البخاري [٣٤٦١] .

1 / 14

٣- لين الجانب، وبسط الوجه، والإحسان إلى الناس: فالناس يحبون لين الجانب، ولا يكلمها إلا من عل. ومن الوسائل التي لها أثر في تألف الجاهلين أو المفسدين، وتهيئتهم إلى قبول الإصلاح- بسط المعروف في وجوههم، والإحسان إليهم بأي نوع من أنواع الإحسان، وإرضاؤهم بشيء من متاع هذه الحياة الدنيا؛ فإن مواجهتهم بالجميل، ومصافحتهم براحة كريمة- قد يعطف قلوبهم نحو الداعي، ويمهد السبيل لقبول ما يعرضه من النصيحة. والنفوس مطبوعة على مصافاة من يلبسها نعمة، ويفيض عليها خيرا. والمثل هذه الحكمة ذكر الله في القرآن من مصارف الزكاة صنف المؤلفة قلوبهم. وكان النبي- ﷺ يؤثر بعض حديثي العهد بالإسلام يجانب من المال؛ للاحتفاظ ببقائهم على الهداية، يفعل ذلك حيث يظهر له أن إيمانهم لم يرسخ في قلوبهم رسوخ ما لا تزلزله الفتن. وإلى أمثال هؤلاء أشار- عليه الصلاة وسلام- بقوله: "إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه؛ خشية أن يكبه الله في النار". ١ قال شيخ الإسلام ابن تيمية- ﵀: "كما كان إعطاؤه- ﷺ المؤلفة قلوبهم مأمورا به في حقه وجوبا أو استحبابا، وإن لم يكن مأمورا به لأحد. كما كان مزاحه مع من يمزح معه من الأعراب والنساء والصبيان؛ تطييبا القلوبهم، وتفريحا لهم- مستحبا في حقه يثاب عليه وإن لم يكن أولئك

١ - رواه البخاري [٢٧ و١٤٧٨]، ومسلم [١٥٠] .

1 / 15

مأمورين بالمزاح معه، ولا منهيين عنه. فالنبي- ﷺ يبذل للنفوس من الأموال والمنافع ما يتألفها به على الحق المأمور به، ويكون المبذول مما يلتذ به الآخذ ويحبه؛ لأن ذلك وسيلة إلى غيره".١ ولهذا يحسن بالواعظ أن يكون لين العريكة، وممن يألف ويؤلف، وألا يكون جافي الطبع، قاسي القلب، متعاليا على السامعين. ويجدر به أن يترفع عن العبارات المشعرة بتعظيم النفس، كحال من يكثر من إدارج ضمير المتكلم"أنا" أو ما يقوم مقامه كأن يقوم "في رأيي"،أو "حسب خبرتي"،أو"هذا ترجيحنا"، أو "هذا ما توصلنا إليه". ومن ذلك أن يكرر كلمة:"نقول"و"قلنا"، ونحو ذلك من العبارات الفجة التي تنم عن نقص وغرور، خصوصا إذا صدرت ممن ليس له مكانة. فهذا كله مجلبة لتباعد الأنفس، وتناكر الأرواح، وقلة التأثير. ولدلا من ذلك يحسن به أن يستعمل الصيغ التي توحي بالتواضع، وعزو العلم لأصحابه، كأن يقول:"ويبدو للمتأمل كذا وكذا"،أو يقول:"ولعل الصواب أن يقال: كذا وكذا" ونحو ذلك من العبارات المشعرة بالتواضع، واهتضام النفس. قال ابن المقفع: "تحفظ في مجلسك وكلامك من التطاول على الأصحاب، وطب نفسا عن كثير مما يعرض لك فيه صواب القول والرأي؛ مدارة؛ لئلا

١ - الاستقامة لا بن تيمية ٢/١٥٥.

1 / 16

يظن أصحابك أن دأبك التطاول عليهم".١ وقال شيخ عبد الرحمن السعدي – ﵀: "واحذر غاية الحذر من احتقار من تجالسه من جميع الطبقات، وازدرائه، أو الاستهزاء به قولا، أو فعلا، أو إشارة، أو تصريحا، أو تعريضا؛ فإن فيه ثلاثة محاذير: أحدهما: التحريم والإثم على فاعله. الثاني: دلالته على حمق صاحبه، وسفاهة عقله، وجهله. الثالث: أنه باب من أبوب الشر، وضرر على نفسه".٢ ٤- الصبر والحلم: فالواعظ محتاج لذلك أشد الحاجة؛ إذ هو معرض لما يثيره، ويحرك دواعي الغضب فيه. ومن مواعظ لقمان- ﵇ لابنه وهو يعظه" ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ﴾ [لقمان: آية١٧] . فلا يحسن بالواعظ أن يكون ضيق الصدر، قليل الصبر؛ ذلك أن الجماعات التي استشرى فيها الفساد كالمريض، والواعظ لها كالطبيب. وكما أن المريض قد يدفعه جهله، أو سوء تصرفه إلى أن ينال الطبيب ببعض السوء – فكذلك الجماعات التي أنهكها الشر، واستحوذ عليها الشيطان؛ فقد يدفعها ذلك أن تنال طبيب الأرواح ببعض الأذى. فإذا ضاق صدره، وقل احتماله تنغصت حياته، ولم يصدر عنه خير كثير، أو عمل كبير؛ فخير للواعظ – إذا – أن يتلقى الأذى بصدر رحب، وأفق واسع، ونفس مطمئنة.

١ - الأدب الصغير والأدب الكبير لابن المقفع ص ١٣٤. ٢ - الرياض الناضرة لابن سعدي ص ٤١٩.

1 / 17

وليعلم أن مهمته شاقة؛ فليستعد لها بالاستعانة بالله، وليداو كلوم النفوس بالهدوء، وسعة الصدر، ولين الجانب، ومقابلة الإساءة بالإحسان؛ فإن تلك الصفات رقية النفوس الشرسة، وبلسم الجراح الغائرة. وليستحضر أنه ما وقف أمام الناس ليخاصمهم؛ فيخصمهم، ولكن ليداي فسادهم، ويرد شاردهم؛ فليحرص على أن يؤلف القلوب والنفوس بتلك الصفات. قال الله- تعالى- في وصف نبينا محمد – ﷺ: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ [آل عمران: آية ١٥٩] . وقال الله- ﷿ له: ﴿خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأعراف: آية ١٩٩] . وهكذا كان- ﵊ فكان يعرض دعوته في لين من القول، وكان يأخذ بالحلم، والصبر، ويقابل الجاهل بالإعراض، والمسيء بالعفو أو الإحسان. وإن أذى كثيرا كان يلحقه من مشركي قريش وسفهائهم؛ فيلقاه بالصبر؛ ولا ينال من عزمه واسترساله في الدعوة ولو شيئا قليلا. وكم من كلمة يرميه بها بعض المنافقين، أو بعض الجفاة من الأعراب، فيكون جزاؤها الصفح، أو التبسم، أو الإنعام.١ فإذا كان الواعظ على هذا النحو من المكارم أثمر وعظه، وحاز من العلياء كل مكان. كن عمر بن عبد العزيز – ﵀ يتمثل بهذه الأبيات:

١ - انظر محمد رسول الله وخاتم النبيين ص ١١٣، والخطابة لأبي زهرة ص ١٦١- ١٦٢.

1 / 18

الحلم والعلم خلتا كرم ... للمرء زين إذ هما اجتمعا صنوان لا يستتم حسنهما ... إلا بجمع بذا وذاك معا كم من وضيع سما به الحلم وال ... ـعلم فحاز السناء وارتفعا ومن رفيع البنا أضاعهما ... أخمله ما أضاع فاتضعا١ ٥- التجمل والعناية بالمظهر بلا إسراف: فهذا- وإن لم يكن من الصفات التي تقوم عليها الخطابة- أمر يحسن العناية بع؛ لأنه مطمع الأنظار. والنظر يفعل بالقلب ما يفعله الكلام في السمع؛ فهو من هذه الناحية لا ينقص اعتباره عن اعتبار الصفات الأصلية؛ فيحسن بالواعظ أن يراعي ذلك، وأن يعتني بمظهره، وطيب رائحته، وما شاكل ذلك. قال ابن حجر المكي –﵀ في معرض حديث له عن الرياء: "وقد يطلق الرياء على أمر مباح، وهو طلب نحو الجاه والتوقير بغير عبادة، كأن يقصد بزينة ثيابه الثناء عليه بالنظافة والجمالة، ونحو ذلك." إلى أن قال: "وهذا مما تستمال به القلوب؛ إذا لو سقط من أعينهم لأعرضوا عنه؛ فلزمه أن يظهر لهم محاسنه؛ لئلا يزدرون؛ فيعرضوا عنه؛ لامتداد أعين عامة الخلق إلى الظواهر دون السرائر؛ فهذا قصده –ﷺ وفيه قربه أي قربة، ويجري ذلك في العلماء ونحوهم إذا قصدوا لتحسين هيئتهم."٢ فلتجمل والعناية بالمظهر- إذا- أمر حسن؛ فالله-﷿ جميل يحب الجمال ويحب أن يرى أثر نعمته على عبده. فالتجمل والعناية بالمظهر- إذا- أمر حسن؛ فالله- ﷿ جميل يحب الجمال، ويحب أن يرى أثر نعمته على عبده.

١ - الجامع لسيرة عمر بن عبد العزيز للملاء، تحقيق د/ محمد البورنو ٢/٥٩٤. ٢ - الزواجر عن اقتراف الكبائر لابن حجر المكي ١/٤٤، وانظر إحياء علوم الدين للغزالي ٣/٣٠٠، والخطابة ص ٧٤.

1 / 19

قال- ﷿: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ المدثر: ٤. وقال النبي- ﷺ: "إن الله جميل يحب الجمال". ١ وإنما المحذور هو المبالغة في التجمل، وصرف الهمة للتأنق، واشتداد الكلف بحسن البزة؛ فهذا مما يقطع عن إصلاح النفس، ويدل على نقص الإنسان. قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب- ﵁:"إياكم لبستين: لبسة مشهورة، ولبسة محقورة".٢ وقال بعض الحكماء: "البس من الثياب ما لا يزدريك العظماء، ولا يعيبك الحكماء".٣ وقال الماوردي –﵀: "واعلم أن المروءة أن مكون الإنسان معتدل الحال في مراعاة الباسه من غير إكثار ولا اطراح؛ فإن اطراح مراعاتها، وترك تفقدها مهانة وذلة، وكثرة مراعاتها وصرف الهمة إلى العناية بها دناءة ونقص. وربما توهم من خلا من فضل، وعري من تمييز، أن ذلك هو المروءة الكاملة، والسيرة الفاضلة؛ لما يرى من تميزه على الأكثرين. وخروجه عن جملة العوام والمسترذلين. وخفي عليه أنه إذا تعدى طوره، وتجاوز قدره كان أقبح لذكره، وأبعث على ذمه".٤ وخلاصة القول أن الشارع قد فوض في أمر اللباس إلى حكم العادة، وما يليق بحال الإنسان؛ فإذا جرت العادة بلبس نوع من الثياب، وكان مستطيعا

١ - رواه مسلم "٩١". ٢ - أدب الدنيا والدين للماوردي ص ٣٥٤. ٣ - أدب الدنيا والدين ص ٣٥٥. ٤ - أدب الدنيا والدين ص ٣٥٤.

1 / 20

له، فعدل عنه إلى صنف أسفل منه أو أبلى٠- قبح به الحال، وكره له؛ لأن بذاذة اللباس، ورتته مما بقذفها العيون، وتنشرز عنها الطباع، فتلقي بصاحبها إلى الهوان، والالتفات إليه بألحاظ الازدراء. وهذه الحال لا تليق بالواعظ؛ إذا هو صاحب حق، وداعية هدى؛ فلا يحسن به أن يخذل الحق الذي يحمله، والهدى الذي يدعو إليه. وأما الخروج عن المعتاد، والتطلع إلى ماهو أنفس وأغلى فمرفوض-كما مر- قال المعري: وإن كان في لبس الفتى شرف له ... فما السيف إلا غمده والحمائل١ بل تجد أكثر الناس يستخفون بمن يتعدى طور أمثاله في ملبسه، ويعدونه سفها في العقل، وطيشا مع الهوى.٢ قال الخطيب البغدادي-﵀: "وكما يكره لبس أدون الثياب فكذلك يكره لبس أرفعها؛ خوفا من الاشتهار بها، وأن تسمو إليه الأبصار فيها"٣ ٦- استعمال المداراة والبعد عن المداهنة: فالمداراة من أخلاق المؤمنين والمداهنة من صفات المنافقين، والواعظ يحتاج إلى الأخذ بالأولى، والبعد عن الثانية. وكثيرا ما يشتبه عند كثير من الناس هذان خلقان؛ ذلكم أن حدود الفضائل تقع بمقربه من أخلاق مكروهة. وهذه الحدود في نفسها واضحة جلية، إلا أن تمييز ما يدخل فيها مما هو

١ - شرح ديوان سقط الزند للمعري ص ٥٧. ٢ - انظر مناهج الشرف للشيخ محمد الخضر حسين ص ٥٠-٥١. ٣ - الجامع لأخلاق الراوي وأداب السامع للخطيب البغدادي ص ٣٧٢.

1 / 21

خارج عنها يحتاج إلى صفاء فطرة، أو تربية تساس بها النفس شيئا فشيئا. وكثيرا ما يتشابه على الرجل لأول النظر أمور؛ فلا يدري أهي داخلة في الفضيلة، أم هي خارجة عن حدودها؟ وربما سبق ظنه إلى غير صواب؛ فيخال ما هو من قبيل المكروه فضيلة فيرتكبه، أو يمدح غيره عليه. وهذا الشأن يجري في كثير من الأخلاق ومن ذلك-كما مر- خلق المداراة؛ إذ يشتبه بالمداهنة مع أنه يمتاز عنه امتياز الصبح من الدجى.١ وبما أن الحديث عن الموعظة وآدابها، وبما أن المدارة خلق فاضل محتاجه العاقل في حياته، وأن المداهنة خلق دنيء يزري بصاحبه، وينزل به إلى درك وسقوط- فإن معرفة المدارة وتمييزها عن المداهنة من الأهمية بمكان؛ حتى يسلك العاقل طريق المدارة، وينأى بنفسه عن المداهنة. ولا ريب أن الواعظ من أحوج الناس إلى ذلك؛ إذ هو يلاقي الناس، ويخالطهم، ويعرض عقله كثيرا أمامهم؛ فهو محتاج إلى مدارة الناس عموما، ومدارة زمانه، ومدارة مخالفية. "بعض معالم المدارة": ومما يمكن أن يميز به بين هذين الخلقين أن بذكر بعض المعالم لكل منهما، وهذه- أولا- بعض معالم المداراة.

١ - انظر رسائل الإصلاح للشيخ محمد الخضر حسين ١/١٢٤.

1 / 22