وللدواء المركب أيضا من جهة الزمان نوع آخر من الكمية، يلزم للطبيب النظر فيه، وهو مدته وزمانه. فإن من الأدوية المركبة ما لا يصلح استعمالها، دون بلوغها ونضجها، وذلك كالأفلونية مثلا، فإن القدماء، وخاصة افلن مركبها، يأمرون بتركها ستة أشهر، ودفنها فى الشعير، على ما ذكر قوم، ثم حينئذ تستعمل. ومنها ما له زمان، تكون قوته فيه مبقاة عليه، فإن جاوز ذلك الزمان، ضعف فعله، وقصر عمله، وكان كالشيخ، وإن افرط فى البعد عن ذلك الزمان، ماتت قوته، وبطلت. وذلك كالدرواق، فإنه إن جاوز ثلاثين سنة، ضعف فعله، وكلما بعد عنها، كان أضعف لفعله، إلى أن يعطل.
وكذلك يجب أن ينظر الطبيب فى الفروق بين التراكيب. فإن عجن من الأدوية بالعسل، كانت مدته، وعمره أطول، لأن العسل يحفظ قوى الأدوية، ويعين الأدوية بإيصاله لها، وإنضاجه، وجلائه، مما لا يوجد فى أدوية أخر من الأدوية الحافظة. وهذه الحافظة هى العسل، والخل، والملح، والثلج أيضا يحفظ ما يجعل فيه. فأما ما عجن من الأدوية بالمياه، كالحبوب، والأقراص، فإن أعمارها قصيرة، لأن قواها، وأفعالها، تضعف سريعا. فلذلك يجب أن يفتقد الطبيب أمثال هذه الأشياء عند النظر فى أمر الأدوية.
ومع ما ينظر فى أمر الأدوية، وجواهرها، وكمياتها، وكيفياتها، وأزمانها، كما قدمنا، فعليه أن ينظر أيضا إلى من هى منسوبة فى عملها. فإن من صناع الأدوية من هو مشهور بالثقة والأمانة. وأعظم نظرا للطبيب بعد جميع ما قدمنا ذكره من أمر الأدوية المفردة، والمركبة، هو بحثه عن أفعال الأدوية. فإن أفعال الدواء الواحد قد تكون كثيرة، وذلك بحسب ما قد اجتمع فيه من القوى، وذلك كالصبر مثلا الذى يفعل الإنضاج، والجلى، والتقوية، والإسهال، وذلك بما فيه من القوى التى بها يفعل كل واحد من هذه الأفعال.
وإذا كان الدواء المفرد له أفعال كثيرة، لما جعلت الطبيعة فيه من القوى، بحسب ما له من جهة مزاجه، فأحرى وأجدر أن تكون أفعال الأدوية المركبة أكثر كثيرا، لما قد اجتمع فيها من الأدوية المفردة ذوات القوى الكثيرة. وبغير الشك أن الدواء المركب، إنما سمى مركبا، لفعلنا فيه التركيب بالصنعة من الأدوية المفردة التى لم يكن لنا نحن فيها تركيب، فليس يشك فى أن الأدوية المفردة مركبة أيضا، ولكن تركيبها هو من فعل الطبيعة.
صفحة ١٠١