فإن جالينوس يذكر أنه أشار على إنسان يشكو وجعا ما يجوارشن الكمون، فعاد إليه وذكر أنه قد عمله هو لنفسه على النسخة التى رسمها له جالينوس، وأنه زاده وجعا. قال جالينوس: فوجدت الفساد من جهة إصلاح الدواء فى دقه، لأنه جعل دقه ناعما، ثم عجنه. فأمرته أن يعيد عمل النسخة بعينها، وينخلها بمنخل واسع، لينحدر جريشها، ثم يعجنه، ويأخذ منه ما رسمته له. فلما فعل ذلك، ووجد نفعه، جاءنى، فعجب من ذلك. فأخبرته بالسبب، وأنه من جهة الإصلاح، والتركيب. فهذا وأمثاله من تغير صور الأدوية المركبة كلها يجرى هذا المجرى من الفساد.
وأما الضرر 〈الحادث〉 من جهة مواد الأدوية المركبة، فهو ما أقول. أقول: إن الفساد الداخل على الأدوية المركبة من جهة موادها، أعنى الأدوية المفردة التى عنها يكون التركيب، يدخل عليها من عدة أوجه: أحدها أن تبدل الأدوية، وتغير جواهرها، كالذى رأيناه من قوم يجعلون فى الطريفل بدل الهليلج الكابلى، أصفر، لرخصه، وبين جوهريهما، وفعليهما، فرق عظيم! وأعظم من ذلك من لم يقنع بالأصفر، حتى جعل بدل الأصفر قشور رمان. وحسبك بهذا شرا وفسادا!
والوجه الثانى من الفساد هو إسقاط دواء، أو أكثر من دواء، من الدواء المركب، لغلائه، أو لقلة وجوده. ولعل ذلك الدواء الذى أسقطه، بشره، وجهله، هو عمدة الدواء، وهو لا يعلم. والوجه الثالث هو الزيادة فى الدواء ما لم يذكر فيه، ظنا من المركب له أنه يزيده نفعا بذلك، أو قصدا للزيادة فى كميته. وإن قصد أيضا أن يبدل الأدوية، ويزيد أدوية، وينقص أخر، كان 〈ذلك〉 أعظم للآفة، وأقوى للفساد. والوجه الرابع من الفساد هو الداخل من جهة كمية الأدوية المفردة فى الوزن، وذلك كالأيارج الفيقرا مثلا، فإن كمية أدويته من جهة عددها تسعة، ومن جهة وزن كل دواء من هذه التسعة، هو أن تكون ثمانية منها بالسواء فى الوزن، والصبر بوزن الثمانية الأدوية الباقية. فيكون للدواء المركب صنفان من الكمية، متى خرجا عن مقاديرهما، فسد الدواء.
صفحة ١٠٠