ولأن من المرضى من لا يمكنهم تعريف ما يجدونه، إما لأجل المرض فى نفسه، كأصحاب السكتة، والبرسام ونظائرهم، أو لأن المريض طفل لا يعقل، أو أعجمى، أو أخرس، أو أمثال هذه الموانع، فلذلك يحتاج الطبيب إلى معرفة حالات هؤلاء ممن يخدمهم، ولا يتم ذلك لخدمهم، إلا بما يوصيهم، وينبههم عليه الطبيب من تفقد الحالات، والعلامات التى يحتاج إليها. ومتى لم يمكن الطبيب أن يتولى إصلاح دواء المريض، أو يصلح بحضرته، فيجب عليه أن يوصى المتولى لخدمته، بعد علمه بفهمه، كيف يصلح دواءه، وغذاءه ، ومقدار كل واحد منهما، وزمانه، وغير ذلك من سائر تدابيره.
ولأن منزل المريض ربما كان غير موافق له، لمجاورته بما يؤذيه، من روائح، أو أصوات، أو غير ذلك من المضرات به، فيجب على الطبيب أن يأمر بنقله من ذلك المنزل إلى الأوفق له. ويجب أن يحذر المواضع التى تحتقن فيها الأهوية والبخارات الرديئة، كسفل الدور التى لا تخترقها الرياح، ولا ينقى هواؤها، فإن ذلك مفسد جدا. وليختر له من البيوت الرياح الموافقة له، ويأمر أيضا بإصلاح هوائه المحيط به بما يوافقه من البخور، والزهور، والرياحين، بحسب ما يوجبه مرضه، والوقت.
〈و〉مع جميع ذلك يجب ألا يترك حول المريض، ولا بقربه، 〈أحد〉 متى ما يبرز من جسمه، كبراز، أو نفث، وخاصة ما له رائحة كريهة. فإن ذلك يضر به فى مرضه، ويمرض خدمه. ويجب على خادم المريض ألا يخبره بما يغمه، ولا بما يحزنه، ولا يسمعه ولا يريه ما يكرهه. وبالجملة، فإن جميع ما يعمل مع المريض مما لا يوافق عمل الطبيب، فهو يفسد عليه علاجه، فيجب أن يحذر من ذلك، كما حذر منه، وتقدم بالقول فيه الجليل بقراط فى الفصل المقدم ذكره، وهو قوله: وقد ينبغى لك ألا تقتصر على توخى فعل ما ينبغى، دون أن يكون المريض ومن يحضره كذلك والأشياء التى من خارج. فقد جمع هذا الفصل جمل ما بسطناه وما لعله قد تبقى مما لم نذكره، فتدبره، وقس بجميع ما شرحناه ما لم نشرحه، لتصل بذلك إلى الغرض، بعون الله تعالى! PageV01P09 2
[chapter 5]
الباب الخامس فى آداب عواد المريض
ولأن حالات المرضى مختلفة، حسب الأمراض — وذلك أن من الأمراض ما يذهب معها تمييز المرضى، كالوسواس، والسكتة، وما جانسهما — فلذلك ينبغى ألا يعاد هؤلاء، بل يسأل عن حالاتهم فقط. ومن الأمراض أمراض تقلق المريض، ولا يمكنه معها كلام الناس، لاستحيائها له إلى ما تدفعه الطبيعة بتواتر أو بتغير روائح. فلذلك يجب ألا يعاد هؤلاء أيضا، لئلا يلحقهم المكروه والأذى، بصبرهم على ما يحركهم على الخروج من براز، وقذف، وغير ذلك. ولمثل ذلك لا ينبغى أن يعاد من سقى دواء مسهلا، ولا من عرض له إسهال المرضى فى يوم شربه للدواء.
ومن الأمراض أمراض حادة، سريعة التنقل، والتغيير، تحتاج إلى مبادرة فى التدابير من الطبيب، ومن خدم المريض. فيجب أن يتقدم الطبيب أيضا إلى أهل المريض، ألا يدعوا عائدا، ولا أحدا يدخل إليه، إلا ممن يخدمه فقط، ليوفر من خدمه على خدمته، ولا يشغل زمان التدبير بما لا ينفع المريض. ومن الأمراض أيضا ما يبعث المريض على ما لا يريده، وأيضا على أفعال لا تصلح، كالذى يعرض لكثير من أصحاب السوداء ومن حدث بهم ضروب من المالنخوليا، فلا وجه لعيادة هؤلاء. وكم عائد قد خرقت ثيابه، فضلا عن الشتيمة!
وإذا كان أمثال هؤلاء المرضى لا يجب أن يعادوا، فإذا يحتاج العائد لما سوى هؤلاء من المرضى أن يعلم، إذا عاد مريضا، كيف ينبغى أن تكون عيادته. فأول ذلك أنه يجب أن لا يطيل عند المريض الجلوس، ولا يدخل إليه، إلا بثوب نقى، ورائحة طيبة، لتقوى بذلك نفسه، وتحركه، وتسوقه إلى التشبه به. ولا ينبغى لأهل الصنائع الرديئة أن يعودوا المرضى، لئلا يضروهم بروائحهم، ويفسدوا عليهم الهواء، كبائع الكبريت والقطران، والدباغ، والقصاب، وغيرهم، ولا ممن تعلق بهم الروائح الرديئة. فالأنفع للمريض ألا يعودوه هؤلاء، وأمثالهم.
صفحة ٩٣