[chapter 4]
الباب الرابع فيما يجب على الطبيب أن يوصى به خدم المريض
وإذا كانت الضرورة تدعو فى معالجة المرضى إلى من يخدمهم، لعجزهم عن خدمة نفوسهم، ولأن الطبيب لا يمكنه خدمتهم على الكمال، فقد يجب أن يكون لهم من يقوم لهم بمصالحهم الموافقة لعلاج الطبيب، وتدبيره للمريض. ولأن خادم المريض لا يمكنه علم ذلك، إلا من الطبيب، فلذلك يجب على الطبيب أن يتقدم إلى الخادم بما يحتاج إليه وقتا بوقت. ويجب أيضا على الطبيب أن يفتقد على الخادم حسن طاعته له، وهل يفى فى عقله وبطشه بالقيام بما يؤمر به. فإنه ليس كل عاقل يصلح لكل عمل، ولا كل من يخبر أعمال المريض يصلح لخدمته . وذلك أن الخادم يحتاج أن يكون عاقلا، أديبا، شفقا، له دربة وبطش بالأعمال الموافقة للمريض. ويحتاج أن يكون له هيبة على المريض. ومتى لم تكن هذه أوصافه، دخل الضرر على المريض فى نفسه، وعلى الطبيب فى صناعته من المرضى.
وأما ما يدخل من الضرر من جهة رداءة الأمانة والدين، فهو عظيم أيضا، لأن القليل الأمانة من الخدم، قد يدعوه شرهه ورغبته إلى إهلاك المريض، إما بما يبذله له المريض نفسه ليبلغ شهوته، أو بما يبذله له أعداؤه. وكذلك أيضا متى لم يكن الخادم للمريض شفقا عليه، لم يؤمن منه التهاون بخدمته. وبغير شك أن من لم يكن له دربة بالأعمال التى يحتاج إليها المريض، كان من ذلك عليه أعظم ضرر. كالذى رأيته من جهل خادم تولى إصلاح ماء الشعير لمريض كنت أشرت عليه بأخذه. وكان المريض من أهل الأدب، فوثقت بعقله ودربته. فأمر خادمه بإصلاح ماء الشعير، وأخذ منه ما أخذه. فلما كان بعد أربع ساعات، أتانى رسوله مذعورا، فوافيته، وهو فى كرب. فسألته عن السبب فى ذلك، فقال: لم آخذ غير ماء الشعير. فحدست على أن البلية جاءت من إصلاحه، فقلت: إن كان تبقى منه شئ، فهاتموه! فجاؤونى منه بشئ جامد أبيض، يشبه النشا المطبوخ إذا برد. فسألته: كم شربت من هذا؟ فقال: رطلين بالبغدادى. فبادرت وقذفته، فرمى به، وقد بدأ يفسد، ففرج عنه. وكانت الخيانة الأولى منه جهل خادمه بصنعته، والثانية كثرة ما أخذ منه.
صفحة ٩١