============================================================
كتاب أدب الملوك في بيان حقائق التصوف عنه أنه قال : إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب إبله استظل تحت (31) شجرة ثم راح وتركها، فحقائق الغربة كلها بحموعة في قوله : ألا من كان راحلا سائرا مسافرا أي منزل نزله وأي شجرة استظل بظلها كان بها غريبا، نرل ساعة على سبيل الغربة ثم راح وتركها.
فأهل التصوف أشاروا إلى الغربة ففارقوا الأوطان والأهل والأولاد وساحوا في بلاد الله الوسافروا في الشرق والغرب، وذلك ظاهر غربتهم، ثم افترقوا في حقيقة الغربة، فغريب غرب عن وطته وأهله وأولاده، وغريب غرب عن حاله فغيب عنها بعد استمكانه منها، فغرب بفقده وانفرد بوجده، وغريب غرب عن اشكاله وكان بالضرورة مع أضداده، وغريب استوحش من الخلق واستأنس بوقته في غربته وانفرد بحاله وصار غريبا فريدا.
فجميع ذلك أحوال ظاهر الغرباء، ولأهل حقيقة الغربة إشارات خفيات، فأول من تحقق فيه الغربة آدم عليه السلام حين أخرج من دار السلام فألقي إلى دار الغربة والآثام، فصار فيها غريبا وحيدا تحقق فيه الغرية، فأول غربته الغربة من أنيسه، والثانية 12 الغربة من الجنة، والثالثة الغرية من زوجته، فانفرد وقت هبوطه إلى الأرض بغربته وحقق فيه ذلك .
فالصوفية أشاروا في الغربة بعد الغربة في الدار وغربة الأوطان إلى عين الحقيقة، 15 فقال بعضهم : الغربة تجريد التوحيد ، وقال بعضهم : الغربة الغيبوبة عن الأحوال برؤية حقائق الأحوال، وقال بعضهم : الغربة سر التفريد من عين التوحيد، وقال الشيلي: ليس شيء أغرب من ذكر الله تعالى.
ثم حقيقة أوقات الغرباء ثلاثة : وقت الغفلة ووقت العلم ووقت الحقيقة، فوقت الغفلة ظاهر الغربة وهو آن يرد الإنسان إلى شاهده فيكون في وقته غريبا من سره وحقائق طيه، ووقت العلم باطن (32) الغربة لأن أهل الحقائق إذا ردوا إلى العلم والرخص وتعلقوا بما 21 احل الله لهم غربوا عن خالص الحقيقة بمقدار ركوب الحظ، ووقت الحقيقة سر الغربة، ذلك لأهل الخالص حين انفردوا بالخصوصية عن سائرهم فتعلقوا بخالص الغرية ) غرب: غريب ص 21) وتعلقوا: ويتعلقوا ض: 1)-2) المعجم المفهرس 295/2.
2)) المعجم المفهرس 27/4.
ن ب
صفحة ٢٩