فقال: هذه علانية حسنة إن صدقتم وصبرتم واتقيتم، معاشر إخواني! لا يكن حظكم من الخير سماعه بأذن، وخروجه من أذن، فإنه من رأى محمدا صلى الله عليه وسلم رآه غاديا ورائحا، لم يضع لبنة على لبنة، ولا قصبة على قصبة، بل رفع له صلى الله عليه وسلم علم الهداية، فشمر إليه، فهنيئا لمن اتبع سببه، واقتفى أثره، الوحا الوحا، ثم النجاء النجاء، علام تفرحون ولا تحزنون؟ أتيتم ورب الكعبة! كأنكم -والله- والأمر قد جاء معا، والسعيد من اعتد له.
قال أبو عبد الرحمن: دخلنا على الحسن وهو عليل، فأحضر كتابا ليكتب وصية، ثم قال: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد: فإن الحسن عبد الله وابن أمته، يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله، من لقي الله بها صادقا لسانه، مخلصا قلبه، أدخله الله الجنة.
ثم قال: سمعت معاذا يقول ذلك، ويوصي به أهله، ثم قال معاذ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك، ويوصي به أهله.
وقيل: لما احتضر الحسن، جزع جزعا شديدا، فقال له ولده، لقد أفزعتنا بجزعك هذا يا أبت، فقال: يا بني! قد جاء الحق، وزهق الباطل، وها أنا أصاب بنفسي التي لم أصب بمثلها.
وقال مالك بن دينار: رأيت الحسن -رحمة الله عليه- في منامي -بعد أن مات- مسرورا، شديد البياض، تبرق مجاري دموعه، فقلت: ألست من الموتى؟ فقال: بلى! قلت: فماذا صرت إليه بعد الموت .. فلعمري لقد طال حزنك في الدنيا؟ فقال: رفع -والله- لنا ذلك الحزن علم الهداية إلى منازل الأبرار، فحللنا بثوابه مساكن المتقين، وايم الله! إن ذلك إلا من فضل الله علينا. قلت: فما تأمرنا به يا أبا سعيد؟ قال: وما عسى؟ إن أطول الناس حزنا في الدنيا أطولهم فرحا في الآخرة.
وقال صالح المري: دخلت على الحسن يوما، فسمعته ينشد:
صفحة ٣٢