وقيل للحسن في شيء قاله: ما سمعنا أحدا من الفقهاء يقول هذا! فقال: وهل رأيتم فقيها قط؟! إنما الفقيه: الزاهد في الدنيا، الراغب في الآخرة، الدائب على العبادة، الذي لا يداري ولا يماري، ينشر حكمة الله، إن قبلت منه، حمد الله، وإن ردت عليه، حمد الله.
وقيل: خطب إليه رجل ابنته، وبذل لها مئة ألف درهم، فقالت أمها: زوجه؛ فقد أرغبها في الصداق، وبذل لها ما ترى، فقال الحسن: إن رجلا بذل في صداق امرأة مئة ألف لجاهل مغرور يجب ألا يرغب في منكاحته، ولا يحرص على مصاهرته. وترك تزويجه، وزوجها من رجل صالح.
وقيل: شاوره رجل فقال: يا أبا سعيد! لي ابنة أحبها، وقد خطبها رجال من أهل الدنيا، فمن ترى لي أن أزوجها؟ فقال: زوجها من تقي، إن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها.
وقيل ليوسف بن عبيد: هل تعرف رجلا يعمل بعمل الحسن؟ فقال: رحم الله الحسن، والله ما أعلم أحدا يقول بقوله، فكيف يعمل بعمله؟! كان -والله- إذا ذكرت النار عنده كأنه لم يخلق إلا لها، وما رئي قط إلا وكأن النار والجنة بين عينيه خشية ورجاء، لا يغلب أحدهما صاحبه.
وقال حميد خادم الحسن: دخلنا على الحسن في بعض علله نعوده، فقال: مرحبا وأهلا بكم، حياكم الله بالسلام، وأحلنا وإياكم دار المقام.
فقلنا: عظنا يرحمك الله! فإنا نرجو الانتفاع بما نسمع منك.
صفحة ٣١