وكان يقول: ما مر يوم على ابن آدم إلا قال له: ابن آدم: إني يوم جديد، وعلى ما تعمل في شهيد، إذا ذهب عنك لم أرجع إليك، فقدم ما شئت تجده بين يديك، وأخر ما شئت فلن يعود أبدا إليك.
وكان يقول: إنما يكرمك من يكرمك مادام روحك في جسدك، لو قد انتزع منك لنبذوك وراء ظهورهم، ولو تركت بينهم، لفروا منك فرارهم من الأسد.
وكان يقول: اعتبروا الناس بأعمالهم، ودعوا أقوالهم؛ فإن الله -عز وجل- لم يدع قولا إلا جعل عليه دليلا من عمل يصدقه أو يكذبه، فإذا سمعت قولا حسنا، فرويدا بصاحبه، وإن وافق منه القول العمل فنعم، ونعمت عين، وإن خالف القول العمل، فإياك أن يشتبه عليك شيء من أمره؛ فإنها خدع للسالكين.
وكان يقول: ابن آدم! إن لك قولا وعملا، فعملك أحق بك من قولك، وإن لك سريرة وعلانية، فسريرتك أولى بك من علانيتك، وإن لك عاجلا وعاقبة، وعاقبتك أحق بك من عاجلتك.
ابن آدم! إن الله -سبحانه وتعالى- يقول: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه}، فاعملوا صالحا -وفقكم الله- تجدوا عاقبته.
وقيل: بينما الحسن يوما في المسجد تنفس الصعداء، وبكى بكاء شديدا، حتى ارتعدت ركبتاه، وخفق قلبه، ثم قال: لو أن بالقلوب حياة، لو أن بها صلاحا، لبكت من ليلة صبيحتها القيامة، أي يوم -عباد الله- ما سمع الخلائق بيوم أكثر منه عورة بادية، ولا عينا باكية؟!
صفحة ١٢٦