بلى. قال: إنكم لما انصرفتم من عندنا جاءني شاب له رواء ومنظر حسن، ومعه غلام نظيف الوجهفي مثل زيه، أحسبه حبيبا له. فقال لي: أين الفتيان الذين كانوا عندك مجتمعين؟ فقلت: غلسوا في الانصراف. فحزن وتبينت الكآبة في وجهه. ثم سألني عن حالكم، وما صنعتم، وكم أقمتم. فحدثته،
فانبسط، واستدعى ما أكل هو وصاحبه، وأخذا في الشرب، وطربا، وأقاما على حالهما ثلاثة أيام،
ففعل مثل فعلكم. فلما كان في اليوم الرابع ودعني وأخذ فحمة وكتب على حائط البيت شعرا، وقال:
إن عادوا أوقفهم عليه، وانصرف. فنهضنا إلى البيت فإذا هو:
إخوتي إني سمعت بكم فقصدت العمر من طرب
فوجدت الدهر فرقكم وكذاك الدهر ذو نوب
وسألت القس ما فعلوا فأجاب القس بالعجب
ففعلنا مثل فعلكم وشربنا من دم العنب
بنت كرم عتقت زمنا منذ عهد اللات والنصب
وجنينا الحلو من ثمر وأكلنا يانع الرطب
وتفرقنا على مضض كلنا يدعو بواحربي
فلما عدنا إلى واسط بحثنا عن الرجل فلم نعرف له خبرا، فعلمنا أنه غريب اجتاز بالبلد.
وقرأت في كتاب: خرج عبد الله بن جعفر متنزها، فأدركه المقيل فقال تحت شجرة. فلما أراد
الركوب كتب على الشجرة:
خبرينا، خصصت يا سرح بالغي ث بصدق، والصدق فيه شفاءهل يموت المحب من ألم الحب وهل ينفع المحب اللقاء
ثم ركب متنزها، فرجع فقال تحتها، وإذا أسفل كتابته مكتوب:
إن جهلا سؤآلك السرح عما ليس يوما عليك فيه خفاء
ليس للعاشق المحب من العيش سوى منظر الحبيب دواء
حدثني أبو الطيب أحمد بن محمد المخرمي قال: حدثني بعض بني نوبخت قال: لما اجتاز الرشيد
في طريقه إلى خراسان أقام بحلوان أياما، ثم رحل فوجد بخط على حجر كان بالقرب منه:
حتى متى أنا في حل وترحال وطول سعي وإدبار وإقبال
ونازح الدار لا أنفك مغتربا عن الأحبة لا يدرون ما حالي
بمغرب الأرض طورا ثم مشرقها لا يخطر الموت من حرصي على بالي
صفحة ٤