ولو قنعت أتاني الرزق في دعة إن القنوع الغنى، لا كثرة المال وحدثني أيضا قال: قال لي رجل من أهل الشام: اجتزت بمنارة الإسكندرية فدخلتها لأرى عجيب
بنائها وما أسمع من صفتها، فإني لأطوف فيها فمررت بموضع في أعلاها فيه خطوط الغرباء
والمجتازين قديمة وحديثة. وإذا في جملة ذلك موضع مكتوب بحبر بين: يقول محمد بن عبد الصمد:
وصلت إلى هذا الموضع في سنة سبعين ومائتين. وصلت إليه بعد نصب وشقاء، وملاقاة ما لم
أحسب أني ألقى. ولم أحب الانصراف عنه إلا بعد أن يكون لي به أثر، فقلت هذه الأبيات وكتبتها
فيه: شردتني نوائب الأيام ورمتني بصائبات السهام
فرقت بين من أحب وبيني ويح قلبي المتيم المستهام
لهف نفسي على زمان تقضى فكأني رأيته في المنام
وتحته مكتوب: يقول فلان بن فلان - وقد محا الاسمين طول العهد - وصلت إلى هذا الموضع في
رجب سنة ثلاث وثلاث مئة، على مثل حال المشرد عن إخوانه ، المطرود عن أوطانه، وقرأت
الأبيات، وما أعرفني بالغرض فيها وأوقعني بمعانيها إلا أنني جربت الدنيا فوجدتها غرورا،
والأحباب زورا، والرجوع إلى الله تعالى في النائبات أولى بذوي العقول من ارتكاب التهلكات. ولم
أحب الانصراف عن هذا المكان إلا بعد أن يكون لي به أثر. فقلت هذه الأبيات مجيبا لهذا الأخ رعاه
الله حيا وميتا. وإذا الأبيات:
أيها المدعي على الأيام أن رمته بصائبات السهام
خف من الله واعتزل كل زور وتجنب مواقف الآثام
تجد الله عند كل مخوف كاشفا للهموم والآلام
فله الحمد والخلائق طرا وهو رب الدهور والأعوام
وقرأت على فناء المسجد الجامع بمتوث، وهي مدينة بين سوق الأهواز وبين قرقوب، عند اجتيازي
صفحة ٥