أحسن من هذا البيت؟ قلت: يمتع الله أمير المؤمنين به، وتكلمت بما حضرني. وكانت فيه صور عجيبة، من جملتها صورة بيعة فيها الرهبان، وأحسنها صورة شهار البيعة، ثم أمر بفرش الموضع
وإصلاح المجلس، وحضر الندماء والمغنون، وأخذنا في الشرب، فلما انتشى أخذ سكينا لطيفا كانت
بين يديه، وكتب على الحائط كأني أراه: ما رأينا كبهجة المختار لا ولا مثل صورة الشهار
مجلس حف بالسرور والنرجس والآس والغنا والبهار
ليس فيه عيب سوى أن ما فيه سيفنيه نازل المقدار
فقلنا: يعيذ الله أمير المؤمنين ودولته من هذا. ووجمنا. فقال: شأنكم وما واتاكم، فما يقدم قولي خيرا
ولا يؤخر شرا.
قال: واجتزت منذ سنيات بسر من رأى، فرأيت بقايا هذا البيت وعلى حائط من حيطانه مكتوب:
هذي ديار ملوك دبروا زمنا أمر البلاد وكانوا سادة العرب
عصى الزمان لهم من بعد طاعته فانظر إلى فعله بالجوسق الخرب
وبركوارا وبالمختار قد خليا من ذلك العز والسلطان والرتب
وحدثني أبو عبد الله الواسطي الشاعر المعروف بابن الآجري قال:
كنت أعاشر جماعة من أهل الظرف وأولاد الرؤساء ونجتمع على الشراب دائما. فدعانا فتى منهم
إلى العمر الذي في أسفل مدينة واسط، ويعرف العمر بعمر سفر يشوع. فمضينا ومعنا من الغناء
والآلة والشراب كل شيء ظريف، وأقمنا بالعمر ثلاثة أيام، ومضت لنا به أوقات طيبة، وانصرفنا
في اليوم الرابع وتفرقنا بعد ذلك للمعايش والمتصرفات. فلما كان ذلك بشهور دعينا إلى العمر، فلما
حصلنا في القلاية التي كنا شربنا فيها في تلك الدفعة قال لنا الفتى: ألا أخبركم بحالي بعدكم؟ قلنا:
صفحة ٣