والمجازي بالإحسان إحسانا. ركبت البحر في طلب الغنى ففاتني البقا وكسر بي، وأفلت على هذه الساجة، وقاسيت أهوال البحر وأمواجه، ومكثت عليها سبعة أيام، ثم ضعفت عن إمساكها فكتبت
قصتي بمدية كانت في خريطتي. فرحم الله امرء وقعت هذه الساجة بيده فبكى لي، واقتنع بالكفاف
عن مثل حالي.
فعجبنا من ذلك، وعلمنا أنه كان في الزمان الأول الذي كان الماء في النجف، وأن المحن قديمة،
وأحوال الدنيا عجيبة. وإذا الكتابة خرش، كأنه في تلك الخشبة نقش.
حدثني أبو الحسن علي الواسطي الصوفي قال: لقيت في طريقي وأنا متوجه إلى أذربيجان فتى عليه
زي الصوفية في قاع، لم يكن لنا ثالث إلا الله تعالى. فأنست به وقلت: سلام عليكم. فقال: وعليكم
سلام الله ورضوانه. قلت: فمن أنت أيها الرجل، فإني أرى سيماء الخير بينا على وجهك؟ فقال: عبدالله السائح في بلاد الله. قلت: زدني معرفة. قال: يكفيك ما سمعت. قلت: فمن أين أقبلت؟ قال: من حيث لا أدري. قلت: فما سبب ضجرك وانقباضك مني وسترك حديثك عني؟ قال: فديتك! أنا لو كان
لي فرج في الخروج إليك بقصتي، أو علمت أنك تملك معونتي أو تقدر على إعانتي للخصت لك
الأمر، ولأقمت لك على ما تشاهده من صورتي العذر. وتركني ومشى. وهو يشهق ويبكي ويقول:
هل إليكم بعد الفراق معادي ولديكم لدى التفرق زادي
إن تكونوا رقدتم الليل إني مذ نأيتم عني قليل الرقاد
وحدثني أبو بكر أحمد بن الحسين بن شيطا، وكان كثير الأسفار دائم الحج هو وأبوه، وكلانا ملازمي
أبي، وكالمنقطعين إليه. قال: ركبت البحر من جدة لأعبر معبرة تعرف بعبادان. وكان الريح معنا،
والمركب يخطف كالفرس الجواد. فبينا نحن على تلك الحال إذ نطح جبلا في الماء فتقطع، وحصلت
على خشبة منه، فرأيت أهول منظر وأفظعه، وكان في السماء قطع غيم، ترفعني الخشبة حتى لا
صفحة ٣٢