ونسأل الله خير ما قدر وقضى، والمعونة على الدين بالدنيا، وعلى الآخرة بالتقوى، إنه على كل
شيء قدير. فمن ذلك ما حدثني به أبو عبد الله أحمد بن جيش التمار قال: حدثني أبي، عن بعض ولد
أحمد بن هشام، عن أبيه قال:
كنت في جملة عسكر المأمون حين خرج إلى بلد الروم، فدخل وأنا معه إلى كنيسة قديمة البناء
بالشام، عجيبة الصور. فلم يزل يطوف بها، فلما أراد الخروج قال لي: من شأن الغرباء في الأسفار
ومن نزحت به الدار عن إخوانه وأترابه، إذا دخل موضعا مذكورا، ومشهدا مشهورا، أن يجعل لنفسه
فيه أثرا، تبركا بدعاء ذوي الغربة، وأهل التقطع والسياحة. وقد أحببت أن أدخل في الجملة، فابغ لي
دواة. فكتب على ما بين باب المذبح هذه الأبيات:
يا معشر الغرباء ردكم ولقيتم الأخبار عن قرب
قلبي عليكم مشفق وجل فشفا الإله بحفظكم قلبي
إني كتبت لكي أساعدكم فإذا قرأتم فاعرفوا كتبيوروي لنا عن إسحاق بن عبد الله قال:
كنت في خدم أبي جعفر. فدخل قصر عبدويه وأنا معه. فقال: أعطني فحمة. فناولته، وكتب هذا
الشعر على الحائط:
المرء يأمل أن يعيش وطول عيش قد يضره
تودي بشاشته ويعقب بعد حلو العيش مره
وتسوؤه الأيام حتى لا يرى شيئا يسره
كم شامت بي إن هلكت وقائل لله دره
قال: فما لبث إلا قليلا. والشعر للبيد.
وحدثني أحمد بن زياد الكاتب، شيخ لقيته ببغداد، من أهل همذان قال: حدثني أبو الحسن علي بن
يحيى المنجم، عن أبيه قال:
أخذ الواثق يوما بيدي يتكئ عليها، ويطوف على الأبنية بسر من رأى ليختار منها بيتا يشرب فيه
في ذلك اليوم. فلما انتهى إلى البيت المعروف بالمختار استحسنه، وجعل يتأمله وقال لي: هل رأيت
صفحة ٢