وأعجب من هذا: حكاية الوزير ابن هبيرة، قال ابن الجوزي، كنا بمجلس الوزير يملي علينا كتابه ((الإفصاح ))، فبينما نحن كذلك؛ إذ قدم رجل ومعه رجل ادعى عليه أنه قتل أخاه، فقال له: أقتلته؟ قال: نعم؛ جرى بيني وبينه كلام، فقتلته، قال الخصم: سلمه إلي حتى أقتله، فقد أقر بالقتل، فقال: أطلقوه، قالوا: كيف ذلك، وقد قتل أخانا؟ فقال: أتبيعونه؟ فاشتراه منهم بست مئة دينار، وسلم الذهب إليهم، وذهبوا، وقال للقاتل: اقعد عندنا لا تبرح، قال: فجلس عندهم، وأعطاه خمسين دينارا، قال: فقلنا للوزير: لقد أحسنت إلى هذا، وعملت معه أمرا عظيما، وبالغت في الإحسان إليه؟! فقال الوزير: منكم أحد يعلم أن عيني اليمين لا أبصر بها شيئا؟ فقلنا: معاذ الله، فقال: بلى والله، أتدرون سبب ذلك؟ قلنا، لا قال: هذا الذي خلصته من القتل، جاء إلي وأنا في الدور، ومعي كتاب في الفقه أقرأ فيه، ومعه سلة فاكهة، فقال: احمل هذه السلة، قلت له: ما هذا شغلي، فاطلب غيري، فشاكلني ولكمني، فقلع عيني ومضى، ولم أره بعد ذلك إلى يومي هذا، فذكرت ما صنع لي، فأردت أن أقابل إساءته إلي بإحسان مع القدرة.
وفي ((صحيح البخاري))، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي برجل قد شرب، فقال: ((اضربوه))، فضربوه، فلما انصرف، قال بعض القوم: أخزاك الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تقولوا هكذا، لا تعينوا الشيطان عليه)) -وفي رواية أيضا-: ((لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم)).
وخرجه النسائي بمعناه وزاد: ((ولكن قولوا: رحمك الله)).
وخرجه أبو داود، وعنده: ((ولكن قولوا: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه)).
صفحة ٢٧٦