AUTO [المقدمة]

[الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين، وإمام المرسلين، سيدنا محمد، المبعوث رحمة للعالمين، وعلى أنبياء الله أجمعين]، وعلى آل كل، وسائر الصالحين، ورضي الله عن أصحاب رسول الله أجمعين، ورضي الله عن الإمام المبجل، والحبر المفضل، الإمام الرباني، والصديق الثاني، الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، وعن موضح المسالك، الإمام الناسك أبو عبد الله مالك، وعن الإمام الرافعي أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، وعن موضح البيان، ومظهر التبيان أبي حنفية النعمان، ورضي الله عن جميع التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد:

فهذا كتاب مشتمل على الدعاء، وسميته كتاب: ((أدب المرتعى في علم الدعا))، والله أسأل أن يجعله خالصا لوجهه الكريم، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

صفحة ٣١

AUTO فصل [فيما ورد من الدعاء في كتاب الله -عز وجل-]

وقد ورد الدعاء في كتاب الله -عز وجل- في أماكن، منها:

قوله تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان}.

قال البغوي: قال ابن عباس: سبب نزولها أن اليهود قالوا: كيف يسمع دعاءنا ربنا، وأنت تزعم أن بيننا وبين السماء مسيرة خمس مئة عام، وأن غلظ كل سماء مثل ذلك؟! فأنزل الله -عز وجل- هذه الآية.

وقيل: إن سبب نزولها أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أقريب ربنا فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟! فنزلت.

صفحة ٣٣

وقيل: إنه لما نزل: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم} قالوا: أي ساعة؟! فنزلت.

وقيل: إن قوما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا له: أين الله؟ فنزلت هذه الآية.

وقيل: إنه كان فرض على المسلمين في أول الصوم أن من صلى العشاء أو نام حرم عليه الطعام والشراب والجماع، فدنا عمر من زوجته، ونام رجل قبل أن يأكل فأصبح مجهودا، [واعترف] رجال من المسلمين بما [كانوا] يصنعون، فقالوا: فأتوا نبينا، فما علينا؟ فنزلت.

صفحة ٣٤

وقوله: {قريب}؛ أي: قريب من سماع الدعاء، وقيل: قريب من الإجابة.

وقوله: {أجيب} فيه قولان:

أحدهما: أنه بمعنى أسمع.

والثاني: أنه من الإجابة.

صفحة ٣٥

وقال الزجاج في هذه الآية: والدعاء على ثلاثة أضرب؛ فضرب توحيد وثناء على الله؛ كقوله: لا إله إلا [الله]، ولا إله إلا أنت، ونحوه، وضرب منها: أن يسأل الله العفو والمغفرة والرحمة، وما يقرب منه؛ كقوله: {اغفر لنا}،وضرب: مسألة الحظ من الدنيا؛ كقوله: ارزقني مالا، وولدا، وما أشبه هذا.

وقوله تعالى: {إنه يعلم الجهر من القول}؛ معناه: إذا اشتدت الأصوات وتعالت؛ فإنه يسمع كل شخص بعينه، ولا يشغله سمع عن سمع.

وقوله -عز وجل-: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية}.

قال الزجاج: تضرعا: تملقا، وحقيقته -والله أعلم-: أن يدعوه خاضعين متعبدين، وخفية؛ أي: اعتقدوا عبادته في أنفسكم؛ لأن الدعاء معناه العبادة.

وقال تعالى مادحا المتذللين في الدعاء والانكسار: {إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين}، فمدحهم الله -عز وجل- بدعائهم له رغبا راغبين فيه، ورهبا خشوعهم في الدعاء.

وقوله -عز وجل-: {وادعوه خوفا وطمعا}.

قال الزجاج: أي: ادعوه خائفين عذابه، وطامعين في رحمته.

ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لن يدخل أحد الجنة بعمله)) قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: ((ولا أنا، إن لم يتغمدني الله برحمته)).

صفحة ٣٦