موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين
محقق
علي الرضا الحسيني
الناشر
دار النوادر
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣١ هجري
مكان النشر
سوريا
تصانيف
والسحر في أصل اللغة: الصَّرف، وشاع استعماله في كل عمل يخفى سببه، ويصور الشيء بخلاف صورته، ويقلبه عن جنسه في الظاهر لا في الحقيقة، وورد السحر في القرآن والحديث، فاتفق علماء الإسلام على أن هناك شيئًا يسمى سحرًا، واختلفوا في تصويره، فذهب كثير من أهل العلم إلى أن للسحر آثارًا حقيقة، وقالوا: هو مزاولة النفوس الخبيثة لأفعال يترتب عليها أمور خارقة للعادة، وقالوا: هو خارق للعادة يظهر من نفس شريرة بمباشرة أعمال مخصوصة.
وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن السحر لا يبلغ أن يغير الحقائق في نفسها، وإنما هو تخجل وتمويه؛ كما قال تعالى في سحرة فرعون: ﴿فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى﴾ [طه: ٦٦]، فأخبر أن ما ظنوه سعيًا منها لم يكن سعيًا، وإنما كان تخييلًا، وقال تعالى: ﴿سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ﴾ [الأعراف: ١١٦]؛ أي: موهوا على الناس حتى ظنوا أن حبالهم وعصيهم تسعى، وقال هؤلاء: "لا يفعل الإنسان في غيره فعلًا من غير مماسة ولا ملامسة.
وإذا كان السحر لا يتجاوز التخييل والتمويه، استبان الفرق بينه وبين المعجزة جليًا، فالمعجزات على حقائقها، وباطنها كظاهرها، ولو اجتهد الخلق كلهم على مقابلتها بالمثل، لما استطاعوا أن يأتوا بمثلها، وأما السحر، فإنما هو ضرب من الحيلة والتلطف لإظهار أمور لا حقيقة لها، ومن شاء أن يتعلم ذلك، بلغ فيه مبلغ غيره.
وقد يلوح للناظر أن السحر الذي خاضوا في الحديث عنه نوعان:
أحدهما: قلب حقيقة الشيء إلى حقيقة شيء آخر على وجه خرق العادة
1 / 185