وقد تألفه النبي
صلى الله عليه وسلم
ما استطاع قبل فتح مكة وبعد فتحها، فتزوج بنته أم حبيبة قبل الفتح، وجعل بيته بعد الفتح حرما «من دخله فهو آمن ومن أغلق عليه داره فهو آمن.» وأقامه على رأس المؤلفة قلوبهم الذين يزاد لهم في العطاء عسى أن يذهب ما في نفوسهم من الكراهة لغلبة الإسلام.
ومع هذا كان المسلمون يوجسون منه فلا ينظرون إليه ولا يقاعدونه، حتى برم بذلك، وأحب أن يمسح ما بصدورهم من قبله؛ فتوسل إلى النبي أن يجعل معاوية كاتبا بين يديه، وأن يأمره ليقاتل الكفار كما كان يقاتل المسلمين.
ثم قبض النبي
صلى الله عليه وسلم ، ونجم الخلاف على مبايعة الخليفة بعده بين المهاجرين والأنصار وبين بعض الصحابة من جهة أخرى. فاشرأب أبو سفيان إلى هذه الفتنة، وخيل إليه أنه مصيب بين فتوقها ثغرة ينفذ منها إلى السيادة على قريش، ثم السيادة من هذا الطريق على الأمة الإسلامية بأسرها. فدخل على «علي» والعباس، يثيرهما ويعرض عليهما المعونة بما في وسعه من خيل ورجل، فنادى بهما: «يا علي! وأنت يا عباس! ... ما بال هذا الأمر في أذل قبيلة من قريش وأقلها؟ والله لو شئت لأملأنها عليه - على أبي بكر - خيلا ورجلا، وآخذنها عليه من أقطارها.»
وهو لا ريب لم يغضب لأن الخلافة قد فاتت بني هاشم، ولا كان يسره أن تصير الخلافة إليهم فتستقر فيهم قرارا لا طاقة له بتحويله، ولكنه أراد خلافا يفتح الباب لزعامة أموية يملك بها زمام قريش والدولة العربية جمعاء.
فلم يخف مقصده هذا على «علي» رضي الله عنه، وقال له: «لا والله لا أريد أن تملأها عليه خيلا ورجلا، ولولا أننا رأينا أبا بكر لذلك أهلا ما خليناه وإياها.»
ثم أنبه قائلا: «يا أبا سفيان! إن المؤمنين قوم نصحة بعضهم لبعض، وإن المنافقين قوم غششة بعضهم لبعض، متخاونون وإن قربت ديارهم وأبدانهم.»
وانقضت خلافة أبي بكر وخلافة عمر، والأمور تجري في مجراها الذي يأخذ على المطامع سبيلها، ويخيف أصحاب الفتن أن يبرزوا بها من جحورها.
صفحة غير معروفة