قال التلميذ: غير قليل؛ فمنهم من يكتب في الحكمة والعلوم، ومنهم من يكتب في نظام الشعوب وتدبير الممالك، ومنهم من يكتب في الخطابة والتاريخ، ومنهم من يكتب في الطير والسمك، ومنهم من يكتب في مشاهد الطبيعة ومحاسن الفنون، ومنهم من ينقد أهل الفن والأدب فيتفق له من صائب النقد ما ليس يتفق لرجال هذا المقام وفرسان هذا الميدان كما يقولون. أيذكر مولاي تلك الروايات التي شهدناها في معاهد التمثيل فأعجب الأستاذ ببعضها وسأل عن كاتبها؟
قال المعري: تعني الرجل المسمى «برناردشو»؟
قال التلميذ: إياه أعني. •••
فعاد المعري يسأل: وما شأنه في هذا السياق ؟ أهو وزير من أولئك الوزراء؟
فأجابه التلميذ: كلا بل هو أديب كتب عنه عشرات من الأدباء، فلا أذكر أن واحدا منهم أصاب في نقده ما أصاب الوزير الذي قال في شخوص رواياته: «إنها تظهر في الحياة لا لما تعمل أو تكون، ومع هذا هي صالحة للحياة.»
قال أبو العلاء: صدقت يا بني فما أعرف لذلك الكاتب المقوال صفة أوجز ولا أصدق من هذه الصفة. فمن يكون الوزير القائل هذا؟ أهو زائرنا اليوم؟
قال التلميذ: ذاك يدعى شرشل وزائرنا يدعى إيدن، وكلاهما في ميدان الأدب ومناصب الحكم سواء، وإن كان هذا أدنى إلى المسالمة وذاك أدنى إلى الصرامة والنضال.
فأطرق المعري هنيهة ثم أدار وجهه إلى تلميذه وقد اطمأن إلى حديثه، وقال له: «ما أحسب اشتغالهم بهذه المطالب إلا من الخير؛ فإن التفرغ للحكم - بل لعمل واحد كائنا ما كان - سبيل إلى العنت وضيق النظر وقلة السماحة، ومن تعددت مطالبه كان خليقا أن يتسع أفقه للخصومة والخلاف، وأن يعود وهو أدنى إلى المودة والإنصاف.»
ثم هتف بالتلميذ: لقد أطلنا على الرجل لحظات الانتظار، فأسرع! أسرع إليه بالدعوة وبالاعتذار. •••
ويطول سرد الحديث الذي جرى بين الحكيم والوزير، فحسبنا منه ما استطردا من السياسة وتدبير الشعوب؛ فقد أفاض الرجلان في مقاصد القول حتى استنفذا منها كل ما يخوضان فيه ويشاركان في مناحيه، وإنهما ليهمان بالافتراق إذ يقحم التلميذ سؤالا كان من حقه أن يسأل لولا أن شغل عنه المتحدثان بأفانين الأدب والثقافة، ولعل التلميذ قد عز عليه أن يرى في سياسة العصر رأيا لا يقره عليه شيخه وأستاذه، فاندفع يقول: ألا يسأل مولاي زائرنا الكريم فيما طرقناه من حديث الحكومة والبرلمان؟ فما ينبئنا مثل خبير؟
صفحة غير معروفة