ونحسب أننا قد أصبنا فيه بعض التوفيق، إن تعذر التوفيق كله في مجال الفرض والتخمين.
ومضت فترة ولم نسمع خبرا عن المحفل المنظور: هل تم بناء الضريح؟ وهل تم نحت التابوت؟ وهل تمت العدة؟ وهل شريت الدور التي تحجب قبر الحكيم؟ الأرجح أن هذا كله ماض في طريق التمام، وأن المحفل المنظور قائم في موعد قريب، لكن أبا العلاء الذي بعثناه وأطفناه بالعالم كله مع بعض تلاميذه قد بلغ غاية المطاف، وسئم المضيفين والأضياف، وأحب أن يثوب إلى داره وأن يقر في قراره. فنحن هنا مثبتون قصيدا لأبي علائنا يودع به من سوف يستقبلونه، ويعتذر به لمن يمسكونه في الدنيا ولا يرسلونه، ويقول أو نقول في مكانه، ما ينبغي أن يجري على لسانه. وذلك هو نشيد الوداع في ختام هذه الصفحات، أنابنا في نظمه على سنة اللزوميات، فله الحسنة منه، وعلينا نحن السيئات. •••
قيل إن بعض المكتبات الإيطالية أهابت بالأدباء من العرب أن يوافوها باسم الأديب الذي تجتمع فيه خصائص العبقرية العربية، فأجمعت الآراء على أنه هو أبو العلاء.
وقواعد الانتخاب ليست بمقطع الرأي في مزايا الفنون والآداب، ولكنا نراها في هذه الفتوى قد حكمت بالصواب، وأجابت أحسن الجواب، إذ الحقيقة أن حكيم المعرة خير من يمثل الذهن العربي والسليقة «السامية» غير مستثنى في ذلك أحد حتى صاحبه أبو الطيب؛ لأن تمثيل الذهن غير تمثيل «الطبيعة العملية» التي يرشح فيها أبو الطيب للمكان الأول بين شعراء الضاد. وأبو العلاء هو الذي يمثل الذهن العربي في تفكيره وفي مقاييسه وفي نظرته إلى الدنيا، دون سائر المفكرين من الشعراء. •••
وعسى أن تكون هذه الآراء التي وضعناها على لسانه وقسناها إلى المعهود من كلامه هي ترجمان الذهن العربي حين ينظر إلى حقائق العالم في زماننا الحديث.
وفد
نقلت الصحف من أنباء سورية أن حكومتها فرغت من مراجعة رسم التابوت الذي أزمعت إقامته في المعرة على قبر حكيمها وحكيم العرب أبي العلاء، وأنها تعد العدة من اليوم للاحتفال بانقضاء ألف سنة هجرية على وفاة الشيخ، والصواب على مولده كما هو ظاهر، فإن الأمد لا يزال بعيدا بيننا وبين ذكرى وفاته، إلا إذا كان الغرض التقريب لا التحقيق، ولا حاجة إلى ذاك لقرب ذكرى الميلاد. •••
تمثلت مندوبي الحكومة السورية يحملون قرارها إلى شيخ المعرة، ويبلغونه أنه سيبنون تابوتا على قبره، وأنهم سيدعون علماء المشرق والمغرب إلى موطنه للاحتفال بذكرى ميلاده. فماذا يقول؟ وماذا يقولون؟
إن الشيخ ليتململ في مضجعه بعد أن استراح فيه مئات السنين، وإنه ليخاطب جدثه اليوم كما خاطبه وهو في قيد الحياة وقيد المحبسين:
يا جدثي حسبك من رتبة
صفحة غير معروفة