انتهى.
قلت: وكما يكون الكلب سببا لإيصال الخير وتشييد الذكر، فقد يكون أيضا سببا للشر، كما جنت على أهلها براقش، وهي كلبة كانت لقوم من العرب، فأغير عليهم، فهربوا وهي معهم، فاستدل العدو عليهم بنباحها، فهجموا عليهم واصطلموهم، فقالوا: «على أهلها تجني براقش»، هكذا رواه الميداني في مجمع الأمثال. ورواه ابن سيده في المخصص، والجاحظ في كتاب الحيوان: «على أهلها دلت براقش». على أن نباح الكلب على الضيف، وإن جعلوه من دواعي الكرم، لما سبق ذكره، فقد رأيناهم يعدونه في نفسه من خصاله المذمومة؛ لأنه لا ينبح على القادم إلا كراهة منه في الغريب. ومن أحسن ما يروى في هذا الصدد نادرة أبي عبد الله محمد بن مرزوق عالم الغرب مع أهل تونس لما ورد عليهم وسألوه قراءة درس في التفسير بحضرة السلطان، فأجابهم إلى ذلك، وعينوا له محل البدء، فطالع فيه، فلما حضروا قرأ القارئ غير ذلك، وهو قوله تعالى:
فمثله كمثل الكلب ... الآية. وأرادوا بذلك إفحام الشيخ والتعريض به، فوجم هنيهة ثم تفجر بينابيع العلم، إلى أن أجرى ذكر ما في الكلب من الخصال المحمودة، وساقها أحسن مساق، وأنشد عليها الشواهد، وجلب الحكايات، حتى عد من ذلك جملة. ثم قال في آخرها: فهذا ما حضر من محمود أفعال الكلب وخصاله، غير أن فيه خصلة ذميمة، وهي إنكاره للضيف. انتهى.
وعندي أن ذمهم له بإنكاره الضيف لم يقصدوا به إلا معنى من المعاني الشعرية، وإلا فأي فائدة من الكلب أعظم من حراسته أهله، ودفعه عنهم؟! (8) الثمثم، بفتح الثاءين المثلثتين وسكون الميم الأولى: كلب الصيد. والكالب ليس اسما للكلب، بل هو والكليب كأمير: جماعة الكلاب. وفي اللسان: الكليب كالعبيد، جمع عزيز. وأنشد في وصف مفازة:
كأن تجاوب أصدائها
مكاء المكلب يدعو الكليبا
والمكلب بكسر اللام المشددة: معلم كلاب الصيد، ومكاؤه: صفيره. وقال شارح القاموس نقلا عن شيخه: إنهم اختلفوا في الكليب هل هو جمع أو اسم جمع، وصححوا أنه إذا ذكر كان اسم جمع كالحجيج، وإذا أنث كان جمعا كالعبيد. انتهى.
وهبلع كدرهم، أي بكسر الهاء وسكون الباء وفتح اللام وبعدها عين مهملة: الكلب السلوقي، واسم كلب بعينه. ومنذر كأنه من إنذار أهله لطارق. وأهوج لم يذكروه، وذكره الجاحظ على أنه الكلب في بيت أنشده في كتاب الحيوان. والهجرع بكسر الهاء وسكون الجيم وفتح الراء وبعدها عين مهملة: الكلب السلوقي الخفيف. (9) كسيب مصغرا: اسم كلب، كما في المخصص، وفي اللسان: كسيب من أسماء الكلاب، ومراده من الأعلام التي تسمى بها الكلاب، كما وضحه الناظم في البيت. وقد خصوه بذكور الكلاب كما خصوا كساب وكسبة بإناثها. وسيأتي قول الناظم فيهما، وإنما كانوا يسمون كلابهم بذلك تفاؤلا بالكسب والاكتساب. (10) القلطي، بفتح القاف واللام وكسر الطاء المهملة وبعدها ياء مشددة، والقلاط كغراب، والقيليط بكسر القاف واللام؛ كل ذلك القصير المجتمع من الناس والسنانير والكلاب، وقد جاء به أبو الشمقمق في قوله من أبيات:
جئته زائرا فأدنى مكاني
وتلقى بمرحب وتحيه
صفحة غير معروفة