بيان
نسبه وأخباره
فصل في نسبه
فصل في بيته
فصل في مولده ووفاته وحليته
فصل في نشأته وطلبه العلم ورحلته
فصل في تلاميذه
فصل في مبلغ علمه وذكائه
فصل في مؤلفاته
فصل في ثروته وزهده
صفحة غير معروفة
فصل في بقية أخباره
شعره
فصل في المكرر في معانيه
فصل في سرقاته
فصل في مآخذ الشعراء من شعره
فصل في مقارنة بعض معانيه بمعاني غيره
معتقده
فصل في اختلافهم فيه
فصل في معتقده في الله
فصل في معتقده في النبوات والرسل
صفحة غير معروفة
بيان
نسبه وأخباره
فصل في نسبه
فصل في بيته
فصل في مولده ووفاته وحليته
فصل في نشأته وطلبه العلم ورحلته
فصل في تلاميذه
فصل في مبلغ علمه وذكائه
فصل في مؤلفاته
فصل في ثروته وزهده
صفحة غير معروفة
فصل في بقية أخباره
شعره
فصل في المكرر في معانيه
فصل في سرقاته
فصل في مآخذ الشعراء من شعره
فصل في مقارنة بعض معانيه بمعاني غيره
معتقده
فصل في اختلافهم فيه
فصل في معتقده في الله
فصل في معتقده في النبوات والرسل
صفحة غير معروفة
أبو العلاء المعري
أبو العلاء المعري
تأليف
أحمد تيمور باشا
بيان
كان الظن أن المؤلف، طيب الله ثراه، قد استوفى هذا الكتاب تأليفا وإعدادا، وأنه قد فرغ من جمع المواد، وتمييز الأقسام، وتبيين الفصول، ومراجعة العبارة. ولكن وردت في أضعاف الكتاب إشارات وعلائم تصرف هذا الظن.
من ذلك أنه جعل لقسم من الكتاب عنوانا، هو: «شعره ونثره». وما يكون للمؤلف أن يمهل جانب النثر من آثار المترجم له، إلا أن فصول هذا القسم خالية كلها من حديث النثر كله. فالحتم أنه عقد العزم على أن يكسر بعض فصول عليه.
ومن ذلك أنه بنى فصلا «للمكرر من معانيه»، وقد وجد مكتوبا في ورق قصير من غير جنس الورق الذي كتب فيه سائر الكتاب، وفي إحدى صفحاته جملة مستقلة يفهم موضوعها أن المؤلف صاغها ليمهد بها لهذا الفصل. وهذا المظهر يشهد بأن هذا الورق مسودة أبقيت للزيادة عليها، والتغيير فيها. فإذا لوحظ إلى هذا أن الفصل قليل ضئيل مع سعة الموضوع وتشعبه، وأن الأبيات المستشهد بها جلها من غير شعر اللزوم؛ قام اليقين بأن المؤلف كان مقدرا إكمال موضوعه فيما بعد، وتبيضه في ورق مماثل لورق بقية الفصول، جريا على سنته في إخراج هذا الكتاب.
ومن ذلك أنه عند الحديث في «معتقده» ساق حكاية أبيات من قصيدة، ثم قال: «وسأوردها بتمامها عند الكلام على منظومه، فإنها من شعره المفقود». ولم ترد هذه الأبيات الموعود بها في ثنايا الكتاب. فإن استخبر مفاد هذه الجملة، أعطى أنه كان يبغي إنشاء فصل لهذا النوع، يجعله في جملة فصول القسم الذي عنونه: «شعره ونثره».
ومن ذلك أنه قال في خاتمة الفصول الموجودة من هذا الكتاب: «... بدليل ما ذكرناه من الكلام وما سنذكره». وواضح أن هذه كلمة من لم يقض مأربه من القول بعد.
صفحة غير معروفة
يضاف إلى هذه جميعا أن حواشي الأوراق حافلة بألوان من الزيادة والإبدال والإصلاح، مما يدع الرأي مطمئنا إلى أن النسخة كانت في حياة المؤلف لا تزال بين يديه: يراجع فيها تسريح الناظر، وإجراء الخاطر، وإعمال القلم.
على أنه ربما يكون قد أجل معاودة الكتاب إلى فرصة لم تسنح، وأولاه مهلة اتصلت بانتقاله إلى جوار ربه. فإنه لما عرف بكتاب الفصول والغايات، في فصل «مؤلفاته»؛ اقتصر على بيان طريقته وموضوعه، فما أشار المؤلف إلى حصوله على مخطوطة الجزء الأول من هذا الكتاب النادر. ولهذه الإشارة شأنها؛ إذ هي إعلام بمكان تحفة كانت مفقودة، ووجدان ضالة ظلت منشودة. ومن سبيل المؤلف في كتابه هذا أنه ما تعرض مناسبة كتاب غير مشهور، أو أثر عزيز الوجود؛ إلا هدى إلى مخبئه، وعرف بنسخته، ولم يفته أن يذكر حصوله عليه إن كان. وما دام هذا صنيعه في الكتب العارضة، فمثل هذا الصنيع في كتب المترجم له أولى وأحق. وإذا فلا بد أن يكون المؤلف قد وادع مخطوطة الكتاب قبل أن يحصل على نسخة الفصول والغايات، ثم لم يعاوده حتى لبى نداء ربه خالد الذكر، حميد الأثر.
نسبه وأخباره
فصل في نسبه
هو أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان بن محمد بن سليمان بن أحمد بن سليمان بن داود بن المطهر بن زياد بن ربيعة بن الحرث بن ربيعة بن أنور بن أسحم بن أرقم بن النعمان بن عدي بن غطفان بن عمرو بن بريح بن خزيمة بن تيم الله بن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة التنوخي المعري. هكذا ساق نسبه ابن خلكان، وهو أصح ما وجدناه بالمعارضة على ما في كتب الأنساب؛ فإن فيما ذكره ياقوت في «إرشاد الأريب» إسقاطا لبعض الأسماء، واضطرابا في ترتيب بعضها، فاعتمدنا على رواية ابن خلكان بعد تصحيح ما حرف منها، فإن «خزيمة بن تيم الله» جاء في النسخة المطبوعة ببولاق: «جذيمة» بالجيم والذال المعجمة، وما نص عليه في كتب اللغة والأنساب «خزيمة» بالخاء والزاي مصغرا. و«تيم الله بن أسد» هكذا في جميع ما وقفنا عليه من الكتب، وجاء به أبو العلاء في سقط الزند: «تيم اللات»، في قوله:
سألته قبل يوم السير مبعثه
إليك ديوان تيم اللات ما ليتا
وقد يكون هذا تحريفا في النسخة، إلا أن من خبر شعر أبي العلاء ومذهبه في تكلفه الصناعة والتجنيس، رجح أنه ما أتى بقوله «ما ليت»، أي ما نقص، بعد قوله «اللات»، إلا إرادة للتجنيس، والله أعلم. وقد يذهب الظن إلى أن «تيم اللات» هذا ربما كان غير «تيم الله» المذكور مقدما، وهو مردود بما ذكره الشارح في سياقه نسبه عند شرح البيت. على أن فيما ذكره ابن خلكان ما لا يسكت عنه أيضا، وما نقلناه عنه هو ما وجدناه في النسخة المطبوعة ببولاق، والنسخة المطبوعة بباريس. ونقل ابن الوردي في تاريخه عبارة ابن خلكان، فأسقط أحمد بن سليمان من سلسلة النسب، ويوافقه ما في «الكوكب الثاقب» لعبد القادر بن عبد الرحمن السلوي، إلا أنه أسقط محمد بن سليمان بدل أحمد. وعلى كل حال، فالظاهر أن ما ورد في ابن خلكان فيه زيادة اسمين ربما سبق بهما قلم الناسخ .
وجده الأعلى قضاعة بن مالك أبو حي من اليمن، ينتهي نسبه إلى قحطان؛ هذا هو المشهور. وزعم نساب مضر أنه قضاعة بن معد بن عدنان، وأن مالكا زوج أمه، والنسب إلى زوج الأم عادة معروفة عند العرب، ولعلماء الأنساب في ذلك اختلاف كثير. ولهذا قال محمد بن سلام البصري النسابة لما سئل: أنزار أكثر أم اليمن؟ فقال: إن تمعددت قضاعة فنزار أكثر، وإن تيمنت فاليمن. وعلى القول الأول قول بعضهم:
قضاعة بن مالك بن حمير
صفحة غير معروفة
النسب المعروف غير المنكر
وعلى القول الثاني قول الكميت الأسدي يخاطب قضاعة:
فإنك والتحول عن معد
كحالية تزين بالعطول
تغايظ بالتعطل جارتيها
وبالأحماء تبدأ والحليل
فمهلا يا قضاعة لا تكوني
كقدح خر بين يدي مجيل
وما من تهتفين به لنصر
بأقرب جابة لك من هديل
صفحة غير معروفة
وسمي قضاعة لانقضاعه عن قومه مع أمه، أي انقطاعه عنهم، أو من قضعه، أي قهره. وقيل: بل هو اسم منقول، وأصل القضاعة الفهد.
والتنوخي نسبة إلى تنوخ، كصبور. وتشديد النون خطأ؛ وهم قبيلة من اليمن من قضاعة، سموا بذلك لأنهم اجتمعوا وتحالفوا، وتنخوا بمكان في الشام، أي أقاموا فيه. ومن الناس من يطلق تنوخ على الضجاعمة ودوس الذين تنخوا بالبحرين، والاختلاف في ذلك كثير أيضا. ونقل عن أبي عبيد أنهم تنخوا على مالك بن زهير بن عمرو بن فهم بن تيم الله بن أسد، وعلى مالك بن فهم عم مالك بن زهير. وذكر الحمداني أن المعرة من بلاد الشام هي صليبة تنوخ، بمعنى أن بها جمعهم المستكثر. وفي «إرشاد الأريب» لياقوت أن تيم الله بن أسد هو مجتمع تنوخ من أهل معرة النعمان. وقال أبو يعقوب النحوي في شرح «سقط الزند» أن تيم الله هو مجتمع تنوخ في النسب، ولم يخص أهل المعرة. ويوافقه ما ذكره ياقوت في معجم البلدان، إلا أن أبا يعقوب سماه تيم اللات كما قدمنا. وكان شعار تنوخ في حروبهم: «واصل، واصل»، وإليه أشار أبو العلاء في لزومياته بقوله:
فر من هذه البرية في الأر
ض فما غير شرها لك حاصل
فشعاري قاطع وكان شعارا
لتنوخ في سالف الدهر واصل
والشعار: العلامة في الحرب. وفي الحديث أن شعار أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم
كان في الغزو: «يا منصور أمت أمت». وهو تفاؤل بالنصر بعد الإماتة. واستشعر القوم، إذا تداعوا بالشعار في الحرب.
والمعري نسبة إلى معرة النعمان، وهي بلدة بالشام من أعمال حمص بين حلب وحماة، وليست منسوبة للنعمان بن المنذر كما توهمه بعضهم، بل نسبت - فيما ذكروا - للنعمان بن بشير الأنصاري؛ لأن ولدا له مات وهو مجتاز بها، فدفنه فيها وأقام أياما حزينا، فنسبت إليه لذلك. قال ياقوت في معجم البلدان: وهذا في رأيي سبب ضعيف لا تسمى بمثله مدينة، والذي أظنه أنها مسماة بالنعمان الملقب بالساطع. قلت: وهو النعمان بن عدي، أحد أجداد المعري المذكورين في نسبه. والذي ذكره ياقوت مقبول؛ فإن تسمية بلدة باسم أحد قطانها المشهورين فيها أقرب من تسميتها بأحد المجتازين بها. وذهب الشريشي في شرح المقامات إلى أنها أضيفت لجبل مطل عليها اسمه النعمان، ولم يذكر ياقوت هذا الجبل.
صفحة غير معروفة
ومن شعر أبي العلاء فيمن عيره باسم بلده:
يعيرنا لفظ المعرة أنها
من العر قوم في العلا غرباء
وهل لحق التثريب سكان يثرب
من الناس، لا، بل في الرجال غباء
وذو نجب إن كان ما قيل صادقا
فما فيه إلا معشر نجباء
أي إن كان اسم البلد له تأثير على ساكنيه، على ما زعم هؤلاء الزاعمون، فيلزم منه أن التثريب لاحق لسكان يثرب، وهي مدينة الرسول
صلى الله عليه وسلم . ويلزم منه أيضا أن يكون سكان ذي نجب كلهم نجباء، مع أن فيهم النجيب وغير النجيب كسائر سكان البلاد.
ومن شعره في اسمه:
صفحة غير معروفة
وأحمد سماني كبيرى وقلما
فعلت سوى ما أستحق به الذما
وقال أيضا:
رويدك لو كشفت ما أنا مضمر
من الأمر ما سميتني أبدا باسمي
أطهر جسمي شاتيا ومقيظا
وقلبي أولى بالطهارة من جسمي
وقال في كنيته:
عرفتك جيدا يا أم دفر
وما إن زلت ظالمة فزولي
صفحة غير معروفة
دعيت أبا العلاء وذاك مين
ولكن الصحيح أبو النزول
يقول ذلك جريا على عادته في الخمول والتواضع.
وقد خلط بعض العصريين بين أبي العلاء المعري وأبي العلاء صاعد اللغوي؛ لاتفاقهما في الكنية، واشتهار كليهما باللغة، فنسب للمعري كتابا اسمه الفصوص في قصة ساقها، وإنما هو لصاعد، وسيأتي تفصيل ذلك في فصل مؤلفاته.
فصل في بيته
كان أبو العلاء من بيت علم وقضاء، ورياسة وثراء. تولى جماعة من أهله قضاء المعرة وغيرها، ونبغ منهم قبله وبعده كثيرون راسوا وساسوا، وكان فيهم العالم والكاتب والشاعر. ولأهل المعرة اعتقاد كبير فيهم، ولواذ بهم، وفزع إليهم في أمورهم. وذكروا أن كمال الدين بن العديم عقد فصلا لتراجمهم وأخبارهم في كتابه: «دفع التحري عن أبي العلاء المعري»، إلا أني لم أظفر بهذا الكتاب مع كثرة بحثي وتنقيبي عنه، فاعتمدت في أكثر ما أذكره هنا على ما في «إرشاد الأريب» لياقوت، و«الكوكب الثاقب» لعبد القادر بن عبد الرحمن السلوي، وتركت كثيرا منهم لعدم تحققي من صحة أنسابهم وألقابهم، بسبب تحريف النسخ.
فمنهم: «جده الأدنى سليمان بن محمد أو أحمد»، الشهير بقاضي المعرة، وولي أيضا القضاء بحمص، وبها مات سنة 290ه، وكان أبوه شاعرا. «عمه أبو بكر محمد بن سليمان» ولي القضاء بعد أبيه، وفيه يقول الصنوبري:
بأبي يا ابن سليما
ن لقد سدت تنوخا
وهم السادة شبا
صفحة غير معروفة
نا لعمري وشيوخا
أدرك البغية من أض
حى بناديك منيخا
واردا عندك نيلا
وفراتا وبليخا
1
واجدا منك متى استص
رخ للمجد صريخا
في زمان غادر الهما
ت في الناس مسوخا «أبوه عبد الله بن سليمان» ولي القضاء بعد أخيه محمد بن سليمان، وتوفي بحمص سنة 377ه، ومن شعره في رثاء والده:
صفحة غير معروفة
إن كان أصبح من أهواه مطرحا
بباب حمص فما حزني بمطرح
لو بان أيسر ما أخفيه من جزع
لمات أكثر أعدائي من الفرح
ورثى أبو العلاء والده بقصيدة نونية أولها:
نقمت الرضا حتى على ضاحك المزن
فما جادني إلا عبوس من الدجن
وسنورد مختارها عند الكلام على منظومه. «أخوه أبو المجد محمد بن عبد الله بن سليمان»، كان أسن من أبي العلاء، ومن شعره في الزهد:
كرم المهيمن منتهى أملي
لا نيتي أجر ولا عملي
صفحة غير معروفة
يا مفضلا جلت فواضله
عن بغيتي حتى انتهى أجلي
كم قد أفضت علي من نعم
كم قد سترت علي من زلل
إن لم يكن لي ما ألوذ به
يوم الحساب فإن عفوك لي «أخوه أبو الهيثم عبد الواحد بن عبد الله بن سليمان»، كان شاعرا كأبيه وأخويه أبي المجد وأبي العلاء، ومن شعره:
قالوا نراه سلا لأن جفونه
ضنت عشية بيننا بدموعها
ومن العجائب أن تفيض مدامع
نار الغرام تشب في ينبوعها
صفحة غير معروفة
وله في الشمعة:
وذات لون كلوني في تغيره
وأدمع كدموعي في تحدرها
سهرت ليلي وباتت لي مسهرة
كأن ناظرها في قلب مسهرها
قلت: ومهما قيل في الشمعة، فليس لقصيدة القاضي ناصح الدين الأرجاني ضريب في هذا الباب، فقد بذ بها من تقدمه وأعيا من بعده؛ إذ يقول:
نمت بأسرار ليل كاد يخفيها
وأطلعت قلبها للناس من فيها
سفيهة لم يزل طول اللسان لها
في الحي يجني عليها ضرب هاديها
صفحة غير معروفة
غريقة في دموع وهي تحرقها
أنفاسها بدوام من تلظيها
تنفست نفس المهجورة ادكرت
عهد الخليط فبات الوجد يبكيها
يخشى عليها الردى مهما ألم بها
نسيم ريح إذا وافى يحييها
كأنها غرة قد سال شارخها
في وجه دهماء يزهاها تجليها
أو ضرة خلقت للشمس حاسدة
فكلما حجبت قامت تحاكيها
صفحة غير معروفة
لها غرائب تبدو من محاسنها
إذا تفكرت يوما في معانيها
فالوجنة الورد إلا في تناولها
والقامة الغصن إلا في تثنيها
صفر غلائلها حمر عمائمها
سود ذوائبها بيض لياليها
تحيي الليالي نورا وهي تقتلها
بئس الجزاء لعمر الله تجزيها
ولولا خوف الإطالة لذكرتها بتمامها لغرابتها.
وأتى بعد أبي العلاء جماعة ذكر منهم ياقوت ثمانية أسماء، وأضرب عن ذكر غيرهم اختصارا، وغالبهم تولوا القضاء بالمعرة، وكفر طاب، وحماة. ومنهم من تولى ديوان الإنشاء.
صفحة غير معروفة
وإنما تركت ذكرهم لما قدمت من تحريف أسمائهم في النسخة.
هوامش
فصل في مولده ووفاته وحليته
ولد يوم الجمعة عند مغيب الشمس لثلاث بقين من شهر ربيع الأول سنة 363. وعمي بالجدري أول سنة 367. غشى يمنى عينيه بياض، وذهبت اليسرى جملة. وكان يقول: لا أعرف من الألوان إلا الأحمر؛ لأنهم ألبسوني حين جدرت ثوبا معصفرا، لا أعقل غير ذلك. وقال في إحدى رسائله إلى داعي الدعاة: «وقد علم الله أن سمعي ثقيل، وبصري عن الإبصار كليل، قضي علي وأنا ابن أربع، لا أفرق بين البازل
1
والربع».
2
فلا وجه إذا لمن زعم أنه ولد أكمه.
وحكى السلفي عن أبي محمد الإيادي أنه دخل مع عمه على أبي العلاء يزوره، فرآه قاعدا على سجادة لبد وهو شيخ. قال: فدعاني ومسح على رأسي، وكنت صبيا، وكأني أنظر إليه الساعة وإلى عينيه إحداهما بارزة والأخرى غائرة جدا، وهو مجدر الوجه، نحيف الجسم.
ونقل الثعالبي عن المصيصي الشاعر، قال: رأيت بمعرة النعمان عجبا من العجب، رأيت أعمى شاعرا ظريفا يلعب بالشطرنج والنرد، ويدخل في كل فن من الجد والهزل، يكنى أبا العلاء. وسمعته يقول: أنا أحمد الله على العمى، كما يحمده غيري على البصر. انتهى.
صفحة غير معروفة
وقال الشيخ عبد الغني النابلسي في رحلته الكبرى المسماة بالحقيقة والمجاز، في رحلة الشام ومصر والحجاز، عند كلامه على القدس وما فيها: «ودخلنا إلى المدرسة المسماة بالفخرية، وهي في غاية من الحسن والإتقان، وكمال البهاء وجمال البنيان، وفيها جملة من الكتب. ورأينا فيها ديوان أبي العلاء المعري وشرحه، ورأينا هناك مكتوبا له هذين البيتين، وهما قوله:
قالوا العمى منظر قبيح
قلت بفقدي لكم يهون
والله ما في الأنام شيء
تأسى على فقده العيون
ويناسبه قوله أيضا:
أبا العلاء يا ابن سليمانا
إن العمى أولاك إحسانا
لو أبصرت عيناك هذا الورى
ما أبصرت عيناك إنسانا
صفحة غير معروفة
انتهى كلام الشيخ. والبيتان الأولان اختلفوا في قائلهما، فنسبهما الصفدي في شرح لامية العجم (ج2، ص384) لأبي العلاء كما ذكر الشيخ، ولكن روايته: «ما في الوجود» بدل «ما في الأنام».
ونسبهما الشريشي في شرح المقامات لبشار بن برد، وروايته : «ما في البلاد»، ونسبهما الوطواط «في الغرر والعرر ص161» لأبي العيناء، وروايته: «والله ما في الأنام حر»، والله أعلم.
والبيتان الآخران لم أجدهما في شعر أبي العلاء، ولعلهما من شعره المفقود. فإن قيل: كيف كان يحمد الله على العمى، وهو القائل في عكسه يتمنى الإبصار:
فليت الليالي سامحتني بناظر
يراك ومن لي بالضحى في الأصائل
فلو أن عيني متعتها بنظرة
إليك الأماني ما حلمت بغائل
قلنا: ليس هذا من التناقض في شيء، ولكل مقام مقال؛ لأنه أبان في الأول عن مذهبه ورأيه في الوجود، وجرى في الثاني على طريقة الشعراء في مدائحهم؛ إذ كان المقام يقتضيه. ومن هذا تعلم فرق ما بين شعريه في سقط الزند واللزوميات، لاختلاف المقامين وتباين الوجهتين. وإن صحت نسبة البيتين السابقين لأبي العيناء كما ذكر الوطواط، فقد جرى على مثل هذا أيضا في قوله للمتوكل وقد سأله عن أصعب ما مر عليه في فقد بصره، فقال له: فقدي لرؤيتك يا أمير المؤمنين.
ومن قول أبي العلاء في عماه، وهو مما رواه له الصفدي:
سواد العين زار سواد قلبي
صفحة غير معروفة