199

غرر البيان من سورة يوسف ﵇ في القرآن

الناشر

دار الفاروق للنشر والتوزيع

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٣١ هـ - ٢٠١٠ م

مكان النشر

عمان

تصانيف

ختام السُّورة بيَّن الله تعالى الحكمة من ذكر القصص في القرآن، ونفى أن يكون هذا القرآن حديثًا يُخْتَلق، وأنَّه من عند الله، فقال: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١١١)﴾. وهكذا تظهر الوحدة بين مطلع القصَّة ونهايتها، والوحدة بين مطلع السُّورة ونهايتها. سبحان من لا يزول ملكه! من المشاهد المؤثِّرة مناجاة يُوسُفَ لربِّه في ختام السُّورة وندائه: ﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ﴾، و﴿مِنَ﴾ تفيد التَّجزئة كما هو معلوم، أي آتيتني جزءًا من الملك؛ لأنَّ الملك المطلق لله وحده، وقوله فيه اعتراف بالفضل والإحسان لله تعالى ﴿وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ﴾ وهذا اعتراف آخر، كذلك صفة الصَّالحين ﴿فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ وهذا ثناء ﴿تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (١٠١)﴾ وهذا دعاء، وقد قدَّم الثَّناء على الدُّعاء، كذلك دأب الأولياء. فبعد أنْ رأى - ﵇ - أنَّ نعمة الله قد تمَّت، وعرف أنَّ هذا علامة أجله، وأنَّه الوداع؛ دعا ربَّه دعاءً عبَّر فيه عن محبَّته إلى لقائه وإلى اللَّحاق بالصَّالحين، وكما قال النَّبِيُّ - ﷺ ـ: " مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ الله أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ " (^١) وهكذا مات يُوسُفُ - ﵇ ـ، وزال ملكه، فسبحان صاحب العزَّة الدَّائمة والمملكة القائمة! وهذا يذكِّر بالواثِق ﵀ لمَّا احْتَضَرَ أَمَرَ بالبُسُط فَطُويت

(^١) البخاري "صحيح البخاري" (م ٤/ج ٧/ص ١٩١) كتاب الرّقاق. ومسلم "صحيح مسلم بشرح النّووي" (م ٩/ج ١٧/ص ٩) كتاب الذّكر والدّعاء.

1 / 205