14
يسود الود والتعاون بين أهالي قرية القرن بالذات بين النساء كبقية القرى. غالبا ما يحدث الخصام بسبب الحدود بين الحقول، أما إذا كان هناك خلاف حول شجرة، فيحل هذا الخلاف سالم الحطاب لمعرفته بالحدود جيدا، وإذا لم يقتنعوا يذهبون بعد ذلك إلى المحكمة. سالم رجل مسالم، يقول الحق ولو على نفسه، يمكن أن يخدعه طفل بكذبة بسيطة. حين يشاهد أحدا يعتدي على حدود حقوله يمنعه بقوله: بحجر الإمام
39
قف عند حدك، لا تعتد على أرضي.
على الرغم من مرور تسع عشرة سنة من قيام الثورة على آخر الأئمة في اليمن. حين نصحه والد زربة أن يضع رمادا على عينيه المصابتين بالرمد صدقه ، ثم أجريت له عملية بعد ذلك، حتى إنه عرف ساعته الأخيرة فقال لابنه: سأموت الآن، لا تدع أختك الصغرى تشاهد موتي، وتوقع لزوجته أن تموت بعده بستة أشهر، وفعلا ماتت بمرض السرطان بعد سبعة أشهر في أول جمعة من شهر رمضان (1438) هجرية.
حان وقت الحصاد فخرج الرجال والنساء والأطفال يجمعون الذرة والدخن والدجر الشبيه بالفاصولياء. حصد زربة أرضه وأرض أبيه خلال يومين. كان يحمل كيسين كبيرين معا مليئين بالسنابل، يصعد جبل طرماح دون أن يشعر بالتعب، ويتضاعف نشاطه بعد تناول القات. كان رجال القرية يحسدونه على قوته، أما نساؤها فيحسدن صفية. عادة تخرج النساء خلف الرجال للحقول وقد دهن وجوههن بالهرد
40
لحمايته من أشعة الشمس، يجمعن الأعلاف في حزم صغيرة، ثم يتعاون في نقلها مثلما يتعاون في نقل الأحطاب، والدمل من زرب البهائم إلى الحقول. يقمن في الريف بأعمال أكثر من الرجال، مشهدهن وهن يسرن معا يشبه سرب نمل يتحرك إلى قريته، وتجد القرية في موسم الزراعة والحصاد تشبه خلية نحل. يقوم الرجال برص أعلاف الأبقار فوق الأشجار أو بجوار ديارهم، لكن والد زربة لم يعد يرص الأعلاف إلا فوق الأشجار؛ خوفا من الثعابين التي تختبئ تحتها. في أحد المواسم قام برص الأعلاف بجوار بيته فالتهمتها النيران، وكادت أن تحرق داره. حدث ذلك عندما شاهد ثعبانا بقرنين صغيرين يدخل بين الأعلاف، فجلبت زوجته جمرا في الموقد، ووضعت عليه فلفلا أحمر؛ لتطرد الثعبان. وضعت الموقد بجوار الأعلاف، فهبت الريح واشتعلت النيران وأحرقت الأعلاف. أما الثعبان فخرج مسرعا واختفى عن الأنظار، وظل والد زربة ووالدته فترة زمنية خائفين من الثعبان الهارب. لم يستطع الأهالي الاقتراب من النار المتأججة، لكنهم ساعدوه بالأعلاف لسنة كاملة. هكذا أهل القرى يتعاونون فيما بينهم، حتى في بناء البيوت في عملية تسمى مضاهاة. وفي هذا الوقت من السنة أيضا يقوم منصور النحال بجمع العسل من الخلايا.
أثناء فصل الحبوب عن السنابل في البيادر، كان صالح والد زربة يعمل في البيدر مع صفية، حينها كانت تقوم بتنظيف الحبوب من القش، وهو يذرو الحبوب من مكان مرتفع على البيدر حين يهب الريح. جاءها المخاض فجأة فحضر زربة مسرعا وحملها إلى داره وتبعته جدته نعم وقامت بتوليدها، فهي قابلة القرية وتقوم أيضا بالمساعدة في ولادة الأبقار المتعسرة. هي امرأة طيبة يحبها الأطفال كثيرا، تلاعبهم في فناء القرية مستخدمة بعرات الأغنام في لعبة مشهورة في القرى تسمى «كسيبة». استمرت زيارة النساء لمدة أسبوعين بالسمن والبيض والدجاج إلى دار صفية ومساعدتها بجانب والدتها التي كانت تقوم بخدمتها.
15
نامعلوم صفحہ