وطارق الراوي لهذا عن سعيد بن المسيب فيه خلاف في الجرح والتعديل، ولعله وهم في هذه الرواية، فقد روي عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال: لقد رأيت الشجرة ثم أتيتها بعد فلم أعرفها، فلعل هذا أصل رواية طارق توهم منه أن المسيب كان حاضرا بيعة الرضوان مسلما مبايعا مع الحاضرين فرواه على ما توهم.
ومن الجائز أنه رآها قبل إسلامه ودون أن يكون حضر البيعة بل بعد ذلك أو قبله وهو كافر، ويحتمل أنه كان صغيرا في ذلك الوقت؛ لأن تاريخ وفاته في عهد معاوية.
وعلى هذا فلا يصح أن المسيب روى عن رسول الله كلمة واحدة.
مع أن ابن المسيب إمام أئمة الحديث، فلو كان أبوه صحابيا وكانت روايته عنه ممكنة لكان مظنة أن يروي عنه عدة أحاديث، ويرويها تلامذة سعيد مع كثرتهم، وتشتهر روايته عن أبيه.
فالراجح أن المسيب لم يكن من الصحابة وإن كان ادعى لنفسه أنه من أهل بيعة الرضوان.
وأبعد من ذلك أن يكون صحابيا حضر موت أبي طالب، سواء كان إذ ذاك مسلما أم كافرا؛ لأنه حينئذ يكون كبيرا وقت بيعة الرضوان وما بعدها، فيكون مظنة الالتفات إلى الرسول وسماع كلامه إذا كان كبيرا مسلما، فكيف لا يروي عنه إلا هذه الأحاديث الثلاثة لو صحت؟!
مع أن الحديث الثالث يحتمل أنه إنما سمعه من أبيه، مع كون ابنه من أئمة الحديث.
قال في تهذيب التهذيب في المسيب: عده الأزدي من مسلمة الفتح واعترضه بأن في الصحيح -يعني صحيح البخاري-: أنه حضر الحديبية، وهذا الاعتراض غير سديد؛ لأن الرواية فيها كلام كما ذكرناه.
ولأن الظاهر أنها مستندة إلى رواية دعوى المسيب لنفسه أنه حضر وبايع، وذلك لا يصح اعتماده لأنها لم تثبت عدالته فلا تثبت صحبته بذلك، وإثبات عدالته بناء على صحبته دور.
فظهر غرابة سند الزهري عنه، ويؤكد تفرد الزهري به عن سعيد بن المسيب، مع أن سعيدا إمام من أئمة الحديث، فكيف لم يروه عنه إلا الزهري؟ مع كثرة تلاميذ سعيد؟
صفحہ 53