وإذا لم يكن العباس طلب منه الذهاب معه لطلب أن يوليه رسول الله فجواب علي عنه غير مطابق، والجواب المطابق أن يقول: لئن سألنا رسول الله عن هذا الأمر فأخبرنا أنه ليس فينا لا يعطينا الناس.
فالجواب بما لا يطابق نكارة في الرواية لمخالفته الحكمة، والزهري أولى بذلك.
السادس: أن عليا عليه السلام أجل من أن يقول ما ذكره الزهري: (لئن سألناها فمنعناها لا يعطينا الناس بعده)، فإن معنى هذا أنه رجح السكوت طمعا في أن يعطيه الناس؛ لأنه يخشى أن يمنعه رسول الله فيمنعه الناس، مع أن الرواية هذه تذكر أن العباس أراد سؤال رسول الله في من هذا الأمر؟ فيكون معنى الجواب: أن الأولى البقاء على الجهالة في من هذا الأمر؟ لرجاء أن يعطيه الناس ما لم يعطه الله في شريعته، ولا دل عليه كتاب ولا سنة، بل ما يحتمل أنه حق في الواقع لكون علي أحق من غيره ويحتمل أنه باطل في الواقع وأن غيره أحق بالأمر، فأعطاه الناس غلطا في الاختيار، فهو يفضل أن يعطيه الناس ولو غلطا على معرفة الحق في هذه القضية!
وهذا لا يليق بمن هو مع الحق والحق معه.
السابع: أن هذا الجواب لو قاله علي عليه السلام لكان يفهم أن عليا يستبعد أن يعطيه رسول الله ويستقرب أن يعطيه الناس إذا لم يكن قد منعه رسول الله فلذلك رجح انتظار أن يعطيه الناس على سؤال الرسول.
وهذا بعيد جدا؛ لأن رسول الله أقرب إلى علي من الناس، وأخص به، وأعلم بكمال علي، وكمال صلاحيته لهذا، وكمال قوته وقدرته للقيام به، لما له من البسطة في العلم والجسم، والإصابة في الحكم، والعدالة والورع والصبر والثبات ورباطة الجأش والسماحة والسخاء، وغير ذلك من صفات الكمال.
وعلي عليه السلام يعرف منزلته عند رسول الله ومعرفته به، لملازمته له من قبل البعثة إلى هذا الحين المذكور في الرواية، وما خصه به في حديث الغدير والمنزلة والكساء والمباهلة وتبليغ براءة وراية يوم فتح خيبر، وغير ذلك.
صفحہ 44