قل للمشير إلى أبيه وجده
أعلمت للقمرين من أسلاف
شرف العصاميين صنع نفوسهم
من ذا يقيس بهم بني الأشراف؟
قامت الثورة العرابية، وجاء الاحتلال البريطاني ليحمي عرش الخديو توفيق في عام 1882، وكان إسماعيل صبري يشغل المناصب القضائية في المحاكم المختلطة، ولم نجد في ديوانه ولا فيما نقل رواته عنه كلمة تعرض فيها لثورة عرابي بخير أو بشر، وكان صبري مثل سائر الشعراء يرفع إلى الخديو قصائد المدح والتهنئة في المناسبات، ولكننا لم نعثر له على قصيدة واحدة من هذا النوع، خلال عامي 1882 و1883.
وبعد هذا التاريخ ظهرت قصائد يهنئ بها توفيقا في الأعياد والمواسم، وقد خلت قصائد التهنئة والمدح للخديو من أي تعرض بالثورة العرابية، واقتصرت على التعبيرات التقليدية التي ابتذلها الشعراء من كثرة ما رددوها في مثل هذا المجال.
وقصائد صبري في المناسبات الرسمية تهبط بمستواه في اللفظ والمعنى والذوق الفني إلى هاوية النظامين في عصور انحطاط الأدب العربي. أما قصائده العاطفية والقومية والقصائد التي بث فيها خواطره عن الحياة والموت، فإنها ترتفع به إلى ذروة الذوق والرقة والحساسية وحلاوة التعبير، وهو بهذه القصائد قد فرض أستاذيته على الشعراء، وصارت له شخصية فنية منفردة، تلمع فيها مخايل من خفة ظل الشاعر المصري البهاء زهير، ومن موسيقى الشاعر العربي القديم البحتري.
وقد عاصر صبري شاعرا كبيرا، هو محمود سامي البارودي، وكان البارودي قد بعث في الشعر العربي الجزالة والفحولة، بعد فترة طويلة ظل الشعر خلالها يرسف في المحسنات اللفظية الفارغة.
ولم يكن البارودي شاعرا فحسب، لكنه كان أحد زعماء الثورة العرابية، وفي عام 1909 أصدر كتابه «مختارات البارودي»، فقرظه صبري بقصيدة عبر فيها عن مفهوم الشعر عنده، فقال: «شعر الفتى عرضه الثاني.»
ولقد كان صبري يحافظ على أشعاره النابعة من نفسه محافظته على عرضه، كان يديم النظر إليها ويصقلها وينسقها، ويخشى أن ينشر القصيدة إلا بعدما يطمئن إليها اطمئنانا فنيا شاملا.
نامعلوم صفحہ