ومفعول «لا يبصرون» من قبيل المطروح المتروك غير المنوي المقدر ، وكأن الفعل غير متعد. والمعنى : لا يكون لهم بصر.
مثل الله سبحانه في هذه الآية إظهار إيمانهم من حيث إنه يحقن الدماء ، ويحفظ الأموال والأولاد ، ويوجب مشاركتهم المسلمين في المغانم والأحكام بالنار الموقدة للاستضاءة ، وذهاب أثره وانطماس نوره بإهلاكهم وإفشاء حالهم بإطفاء الله تعالى إياها وإذهاب نورها. أو هذه الآية مثل ضربه الله تعالى لمن أتاه ضربا من الهدى فأضاعه ، ولم يتوصل به إلى نعيم الأبد ، فبقي متجبرا متحسرا ، تقريرا وتوضيحا لما تضمنته الآية الاولى. ويدخل تحت عمومه هؤلاء المنافقون ، فإنهم أضاعوا ما نطقت به ألسنتهم من الحق باستبطان الكفر وإظهاره حين خلوا إلى شياطينهم ، ومن آثر الضلالة على الهدى المجعول له بالفطرة ، أو ارتد عن دينه بعد ما آمن.
ولما سدوا مسامعهم عن الإصغاء إلى الحق ، وأبوا أن ينطقوا به ألسنتهم ، ويتبصروا الآيات بأبصارهم ، جعلوا كأنهم ( صم بكم عمي ) أي : إيفت (1) مشاعرهم التي هي أصل الإحساس والإدراك ، وانتفت قواهم ، كقوله :
صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به
وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا
وإطلاقها عليهم على طريقة التمثيل لا الاستعارة ، إذ من شرطها أن يطوى ذكر المستعار له ، بحيث يمكن حمل الكلام على المستعار منه لولا القرينة ، كقول زهير :
لدى أسد شاكي السلاح مقذف
له لبد أظفاره لم تقلم
وهاهنا وإن طوى ذكره لحذف المبتدأ لكنه في حكم المنطوق به. هذا إذا جعلت
صفحہ 72