زعیم ثائر احمد عرابی
الزعيم الثائر أحمد عرابي
اصناف
ودارت معركة شديدة بينهم وبين المصريين، فصدهم المصريون عن التقدم بعد أن كبدوهم خسائر جمة، ودام القتال ثلاث ساعات حتى غروب الشمس، وكان يتولى قيادة الجيش في هذه المعركة طلبة باشا عصمت قومندان فرقة كفر الدوار، ومعه رضا باشا ومصطفى بك عبد الرحيم وعيد بك محمد وأحمد بك عبد الغفار، والقائمقام أحمد بك عفت والقائمقام سليمان سامي داود وبدوي بك حكمدار المدفعية، وانتهت المعركة بارتداد الإنجليز إلى الإسكندرية.
وفي أيام 20 و21 و22 أغسطس هاجم الإنجليز مواقع الجيش المصري في كفر الدوار، فدافع عنها المصريون خير دفاع، وانجلت هذه المعارك عن ارتداد الجيش الإنجليزي.
وتعتبر معارك الميدان الغربي في جملتها فوزا للعرابيين؛ لأن الإنجليز ارتدوا عن خطوط الدفاع في كفر الدوار. (6) في الميدان الشرقي
تقدم القول بأن عرابي أهمل الدفاع عن البلاد من ناحية الشرق، فلما جاء الجنرال ولسلي الإسكندرية، كان أول عمل حربي له هو تدبير الزحف على العاصمة من ناحية قناة السويس ... ولو أن عرابي بادر عندما نشبت الحرب إلى سد القناة، لعجز الجنرال ولسلي عن الوصول بجيشه إلى الإسماعيلية واتخاذها قاعدة للزحف، ولكنه لم يفعل ... فكان إحجامه وبالا على مصر، وقد لعب فرديناند دلسبس في هذه المسألة دور الخداع والتغرير، لكي يفوت على العرابيين سد القناة.
فقد عقد عرابي مجلسا عسكريا في أواخر يوليو للنظر في أمر القناة، فأجمع رأي المجلس على وجوب تعطيلها بحيث لا يستطيع الجيش الإنجليزي اجتيازها، والوصول إلى الشاطئ الغربي منها وخاصة الإسماعيلية، فلما علم بذلك دلسبس أرسل إلى عرابي أن يمتنع عن قطع القناة ... وأكد له كذبا في تلغرافه «أن الإنجليز يستحيل أن يدخلوا القناة ... يستحيل». فانخدع عرابي بهذا التلغراف رغم تحذير إخوانه إياه، ونصحهم له بأن لا يصغي إلى نصيحة دلسبس، إذ ليس في إمكانه أن يمنع دخول الإنجليز القناة أو يبر بوعده، ولا هو صادق في نصحه، وإنما كان غرضه صيانة القناة من التعطيل، ولو ضحيت في سبيل ذلك مصالح مصر وسلامتها.
وقد استمر على خداعه حتى وصلت البوارج الإنجليزية إلى بورسعيد لاحتلال القناة، فأرسل إلى عرابي تلغرافا آخر يقول فيه: «لا تعمل عملا ما لسد قناتي ... فإني هنا ولا تخش شيئا من هذه الناحية، إذ لا ينزل جندي إنجليزي واحد إلا بصحبة جندي فرنسي، وأنا المسئول عن كل ذلك.» وهنالك فقط شرع عرابي في سد القناة، ومع ذلك كان أمره في هذا الصدد منطويا على التردد والإبهام، فقد قال فيه: «وما فعله الإنجليز يبيح لنا سد الترعة الحلوة عن السويس، وإذا تهدد القنال زيادة على ذلك بأعمال حربية داخلية، أبيح لنا ردمه وسده لتعدي الإنجليز على حيادته، فباتحاد سعادتكم مع سعادة رئيس عموم أركان حرب يجري ما فيه صالحنا.»
ولم يكد يصل هذا الأمر المبهم إلى راشد باشا حسني قومندان خط الشرق، حتى كان الإنجليز قد اقتحموا القناة ... وكان الحزم والحكمة يقتضيان بأن يبادر عرابي إلى سد القناة، قبل أن تبدأ حركات الإنجليز العدائية من ناحية الشرق؛ لأن الإنجليز الذين خرقوا حرمة المعاهدات الدولية، ونقضوا عهودهم في مؤتمر الآستانة منذ ابتداء القتال بضربهم الإسكندرية، ثم احتلالهم إياها لم يكن من المنتظر أن يحترموا حياد القناة في قتالهم، أما اعتماد عرابي على وعد دلسبس في حماية القناة فأمر يدل على قصر النظر، وقد كان من عيوب عرابي في ساعة الخطر التردد والإحجام، فكان خطؤه في مسألة القناة العامل الأكبر، إن لم يكن العامل الوحيد لانتصار الإنجليز في معارك الميدان الشرقي واحتلالهم العاصمة.
ومن عجب أن يصر عرابي على رأيه الخاطئ، مع أنه كما يقول جون نينيه كان مقتنعا كل الاقتناع قبل نشوب الحرب بضرورة منع المرور من القناة، وأنه قطع برأيه في هذا الصدد إذ صرح للمستر كامرون مراسل جريدة الستاندارد، بحضور المسيو نينيه قبل ضرب الإسكندرية بقوله: «إننا سنحترم القناة ما دام العدو يحترم استقلال بلادنا ... ولكن إذا نشبت الحرب، فإننا عند أول طلقة مدفع سنهدم القناة مؤقتا، وسأفعل ذلك آسفا لأني عالم بأن القناة طريق تجاري محايد.»
وقد كان هذا هو الوقت المناسب لسد القناة ... فليت شعري ما الذي جعله يعدل عن هذا الرأي الصواب، ويمتنع عن سدها حتى احتلها الإنجليز؟ (7) احتلال بورسعيد والإسماعيلية
كان أول عمل حربي للجنرال ولسلي عند وصوله إلى الإسكندرية، هو تدبير الزحف على العاصمة من طريق قناة السويس ... ففي ظهر يوم 19 أغسطس أقلع الأسطول البريطاني من الإسكندرية بقيادة الأميرال سيمور، وكان مؤلفا من ثماني مدرعات وثماني عشرة باخرة من بواخر النقل، تقل معظم الجيش الإنجليزي بقيادة الجنرال ولسلي قاصدا بورسعيد، فبلغها صباح 20 أغسطس، وأخذت السفن الحربية تقتحم القناة، ونزلت كتيبة من جنود الأسطول إلى بورسعيد، واحتلوا المدينة دون مقاومة من الحامية، وكذلك احتل الإنجليز القنطرة والإسماعيلية في هذا اليوم، ومنعت البوارج الإنجليزية مرور البواخر التجارية في القناة، ومنع الأميرال هوايت من ناحية السويس دخول أية سفينة إلى القناة ابتداء من 19 أغسطس، ووضع في مدخل القناة بارجة حربية تنفيذا لهذا المنع، وقد احتجت شركة القناة على خرق حرمة القناة، فذهب احتجاجها سدى. وفي 20 أغسطس احتل الأميرال هوايت «شلوفة» شمال السويس على القناة.
نامعلوم صفحہ