زعیم ثائر احمد عرابی
الزعيم الثائر أحمد عرابي
اصناف
ولا شك في أنه لو كان لدى مصر الوقت الكافي لجندت هذا العدد وأكثر منه ... ولكن الوقت لم يكن يتسع لتجنيد الخمسة والعشرين ألفا ولا غيرهم، ويقول نينيه: «إنه كان يمكن لعرابي بعد ثمانية أشهر أو عشرة حشد خمسين ألف مقاتل أو ستين ألفا، فقد كان يشرف على حركة التجنيد يعقوب سامي باشا وكيل وزارة الحربية، وكان كفؤا في الإدارة، ولكن الوقت لم يتسع لهذا العمل.»
ولما شبت الحرب لم يكن في خزانة الحكومة مال؛ لأن السير كلفن المراقب المالي الإنجليزي أخذ الأموال الموجودة في خزانة المالية، وأنزلها بالأسطول الإنجليزي قبل إعلان الحرب بأيام، وكذلك الأموال الموجودة بصندوق الدين حملها أعضاء القومسيون إلى السفن الحربية بالإسكندرية، فأرسل عرابي إلى المديرين يدعوهم إلى جمع الأموال والإعانات من مديرياتهم للجيش، وحرر من المجلس العرفي للمديريات بتحصيل الأموال من الأهالي بنسبة عشرة قروش عن كل فدان، على أن تحسب الأموال لمن يدفعونها من ضرائب الأطيان التي تستحق عليهم في المستقبل.
وتطوع الكثيرون في الجيش جنودا مقاتلين يجودون بأرواحهم في سبيل الدفاع عن الوطن، وبدأت حركة التطوع في القاهرة والأقاليم عقب ضرب الإسكندرية.
والحق أن الأهلين قد تطوعوا لإمداد الجيش بكل ما يستطيعون، من نفس ومال وغلال وعتاد ومئونة وميرة وخيول وماشية، وجادوا بكل ما في مقدورهم معتقدين بحق أن هذا واجب تفرضه عليهم الوطنية والدين.
قلنا إن الحكومة البريطانية عهدت بقيادة جيش الحملة على مصر إلى الجنرال السير «جارنت ولسلي» أحد القواد الأرلنديين في الجيش البريطاني، فوصل إلى الإسكندرية يوم 15 أغسطس سنة 1882.
لم يكن الجنرال ولسلي من القواد الذين اشتهروا بالكفاية العالية في القيادة، ولا ممن امتازوا في معارك سابقة بالنبوغ في الفنون الحربية ... بل كان ما عرف عنه أنه اشترك من قبل في حرب القرم، وفي بعض الحملات الاستعمارية الإنجليزية، وكان لم يزل برتبة قائم مقام جنرال، حين تولى قيادة الحملة على مصر سنة 1882، فلما انتهت بهزيمة العرابيين في التل الكبير واحتلال العاصمة، انهالت عليه ألقاب الشرف والتكريم، فنال لقب لورد «فيكونت» ولسلي أوف كيرو «القاهرة» ورتبة جنرال وغير ذلك من دلائل التقدير، على أنه تولى فيما بعد - سنة 1884 - قيادة الحملة على قوات المهدي في دنقلة، فانتهت بإخفاقها ومقتل غردون باشا، وتولى سنة 1903 قيادة الجيش الإنجليزي في حرب البوير بالترنسفال، فباء بالهزيمة والخسران ... وعدته حكومته مسئولا عن النكبة التي حلت بالجيش الإنجليزي، فنحته عن قيادته، وعينت بدله الجنرال اللورد روبرتس.
من هذا البيان يتضح لك أن قيادة الجيش الإنجليزي، وذات الجيش الإنجليزي الذي هاجم مصر سنة 1882 لم يكونا كافيين للظفر بها واحتلالها، لولا الانقسام الذي أضعف قوة الدفاع عنها ... فانسل الإنجليز في أرض معبدة، ولم يلقوا المقاومة التي لقيها الجنرال «فريزر» حين نزل الإسكندرية سنة 1807 على رأس جيش بريطاني، أراد احتلال مصر فباء بالخيبة والخسران ...
ولم يكد يستقر بالجنرال ولسلي المقام في الإسكندرية، حتى أذاع الإعلان الآتي في المدينة:
بأمر الحضرة الخديوية - إعلان للمصريين - يعلن الجنرال قائد الجيوش الإنجليزية بأن مقاصد الدولة البريطانية في إرسالها تجريدة عسكرية إلى القطر المصري ليست إلا لتأييد سلطة الحضرة الخديوية، وعساكرنا يحاربون فقط حاملي السلاح ضد سموه ... فعموم الأهالي الذين في سلم وسكينة تصير معاملتهم بكل تودد وإنسانية، ولا يحصل لهم أدنى ضرر بل يحترم دينهم وجوامعهم وعائلاتهم، والأشياء التي تلزم الجيش يصير دفع ثمنها، وعليه ندعو الأهالي لتقديم ذلك، وإن الجنرال قائد الجيش يسر جدا من زيارة مشايخ البلاد وخلافهم، الذين يودون المساعدة لردع العصيان، الذي هو ضد الحضرة الخديوية الحاكم والوالي الشرعي على القطر المصري المعين من لدن الذات الشاهانية. (5-1) تجدد القتال
بدأت الحركات الحربية بين الإسكندرية وكفر الدوار عقب احتلال الإسكندرية كما تقدم بيانه، ثم تجددت عقب حضور الجنرال ولسلي ... ففي يوم السبت 19 أغسطس سنة 1882 تحركت قوة كبيرة من الإنجليز، جاء جانب منهم بالقطارات المسلحة من جهة القباري، وجانب آخر من جهة الرمل ومحطة السيوف وحجر النواتية، فلما وصلت القطارات إلى مقدمة الجيش المصري، أطلق اليوزباشي أحمد أفندي فضلي مدفعا، فكان ذلك إيذانا ببدء القتال.
نامعلوم صفحہ