سابق لأوانه وفي أوانه
وخير ما يذكر به فيلسوف العصور الحديثة الأكبر، أنه نشأ في القرن الثامن عشر ولا يزال سابقا لأوانه في القرن العشرين، ونحسب أنه سيظل سابقا لأوانه عدة قرون.
ويقال ذلك عنه في المحسوسات كما يقال في المعقولات؛ فإنه قرر مكان السيارات الشمسية، التي كشفت بعد تقدم التلسكوب، وهو لا يعول على شيء غير التقدير المضبوط والحساب الدقيق.
ويظهر فضله في هذه الفطنة النافذة متى علمنا أن الفيلسوف هيجل خليفته في الشهرة العالمية، والذي ولد بعده بنحو أربعين سنة، قد سخر من علماء الفلك لأنهم يبحثون عن سيارة ثامنة. قال: ولو أنهم نظروا في مباحث الفلسفة بعض نظرهم في مباحث علم الهيئة، لوضح لهم أن السيارات سبع ، ولا يمكن أن تكون أكثر من سبع، ولا أقل من سبع بأي حساب.
ولم يكد كتابه الذي يقرر فيه هذه البديهية على زعمه يظهر وينتشر بين المؤمنين به، ومنهم كارل ماركس، حتى أعلنت المراصد الفلكية ظهور سيارة ثامنة وانتظار سيارات أخرى لم يبلغها الرصد إلى ذلك الحين!
إن دقة «كانت» في هذه المحسوسات تجاريها، بل تسبقها، دقته في المعقولات، ومنها قضية الاستعمار وقضية السلام.
فقد كان الاستعمار يومئذ يخطو في الشرق والغرب خطواته الأولى، وكان الحكيم يتطير من عواقبه على السلام العالمي، وينبئ الناس بالحروب الكثيرة والثورات الجائحة التي تهددهم من جراء مطامع المستعمرين. وكان اعتقاده، الذي أعلنه في بروسيا ولم يحذر عواقبه، أن القضاء على الاستعمار مرهون بقيام الحكومات الجمهورية التي لا تستغل جهود الأكثرين لإشباع نهمة الأقلين.
مبارزة بسلاح البرهان
وعلى رصانته الراجحة، كان أصحابه يعلمون أن إثارة موضوع الاستعمار كافية لاستدراجه إلى الكلام والإفاضة في الشرح والتعليق ولو في الطريق.
فاتفق يوما في حديقة عامة أن أناسا من أصحابه استوقفوه وفتحوا معه موضوع الحرب بين بريطانيا العظمى والثوار الأمريكيين، فنسي نفسه وحمل على الدولة البريطانية حملة شعواء، وانتصر لكل أمة من أمم الشرق والغرب تطمع فيها دول الاستعمار.
نامعلوم صفحہ