ولهذا كنا نحن مستقبليين؛ لأننا ندين بمذاهب الحرية الفردية، ولا ندين بمذاهب الفاشية والشيوعية، ولا نرى واحدة منها خيرا لبني الإنسان. وقد حاربنا الفاشية والنازية في الوقت الذي كان فيه الببغاوات من أمثال ذلك الكاتب يطبلون لها ويزمرون ويسجدون لأبطالها ويركعون، وعشنا وعاش الناس حتى رأوا ورأينا مصداق ما أنذرنا به وأكدناه وقررناه، وسنرى عن قريب مصداق ما أنذرنا به وأكدناه وقررناه في أمر الشيوعية الماركسية على الخصوص؛ لأنها هي المذهب الذي نحن على يقين من سوء مصيره وسوء وقعه وسوء فهمه بين أدعيائه، وليس هو الاشتراكية في صورتها الحرة المهذبة كما يغالط ذلك الكاتب الببغاوي في التسمية، وهو يتعمد أو لا يتعمد التغليط والتخليط.
وقد بدرت البوادر التي لا خفاء بها، فعلم الشرقيون والغربيون أن سياسة بطرس الأكبر - لا سياسة المستقبل - هي التي يترنم بها الببغاوات في هذا البلد وفي غيره من البلدان، وسيرون المزيد من دلائل الرجوع إلى القديم في كل مسألة من مسائل الخلاف بين السلفيين والمستقبليين. •••
ومن مقاييس المستقبل التي لا تخطئ، ولا تكذب في الدلالة على الوجهة التاريخية العامة مقياس التعاون بين الدول، أو التعاون بين الطبقات، أو التعاون بين الأفراد، فإن هذا التعاون ملحوظ الخطوات في السياسة الدولية من الزمن القديم إلى الزمن الحديث، وهو كذلك ملحوظ الخطوات في المعاملات التي تشيع بين أبناء الوطن الواحد، وسيكون له الشأن الأكبر في علاج مشكلات الاجتماع والاقتصاد على توالي السنين.
وبهذا المقياس - بعد مقياس الحرية الفردية - تعتبر الشيوعية من المذاهب الرجعية، التي ترجع بنا إلى سيادة الطبقة الواحدة، وإن كانت تزعم أنها طبقة وحيدة وأنها هي طبقة الصناع والأجراء، فسيادة الطبقة الواحدة أقدم الصور الاجتماعية التي عرفها الناس، والشيوعية لا تغير في الأمر غير عنوان الطبقة ... إن صح ما تدعيه. •••
وأسخف السخف قول ذلك الكاتب الببغاوي: إن الشيوعيين «يفضلون اللغة العامية؛ لأنهم شعبيون مستقبليون.»
ومصيبة الدنيا أن تحشو هذه الببغاوات أفواهها بما تسميه تفسير الظواهر الاجتماعية، وهي لا تفسر تحت آنافها ما تسمعه بالآذان وتبصره بالعيون.
فاللغة العامية لغة الجهل والجهلاء، وليست بلغة الشعبيين ولا من يحبون الخير للشعوب.
لأن الغني الجاهل يتكلم اللغة العامية، ولا يقرأ اللغة الفصحى، ولا يمتاز بفهمها على الفقراء.
ولأن الفقير المتعلم يفهم الفصحى ويكتبها، كما يفهمها سائر المتعلمين من العلية أو السواد.
فأعداء الشعب حقا هم أولئك الذين يفرضون عليه الجهل ضربة لازب، ولا يحسبونه في يوم من الأيام صاعدا من حضيض الجهل إلى طبقة المعرفة والثقافة.
نامعلوم صفحہ