ومنها:
والشعر صعب عزيز ليس يدركه ... سوى ذكيّ حديد الفهم قد ثقفا
لا يكسب الشعر تبجيل وقولهمُ ... عسى تكون لنا من شيخنا خَلَفا
كلاّ ولا أنا نجلُ الشيخ سيدنا ... أبي وأمّيَ قد فاق الورى شرفا
وهذا ما تذكرت منها، وربما وقع فيها تقديم وتأخير لقدم عهدي بها. ولما شاعت هذه القصيدة، تداولها الناس، فتداعت تلاميذ الشيخ سيدي على هجو ابن محمد، فلم يكترث بهم، ولم يجب منهم غير الشيخ أحمد بن سليمان الديماني، لأنه رآه كفؤا، وهذه العادة قديمة في الشعراء كانوا لا يهاجون من يرون إنه دونهم. فلما بلغ الشيخ سيدي انتصارهم لابنه، دعاهم وقال لهم: أن انتصرتم لابن شيخكم فإني أنتصر لابن شيخي. وكانت أم محمد المذكور، بنت حرم بن عبد الجليل المتقدم. وكان الشيخ سيدي تلميذا له، فهذه إحدى مكارم أخلاق الشيخ سيدي، ولما بلغ الأمر أيضا والد محمد صاحب هذه القصيدة، أقسم عليه ليذهبن إليه ويطلب منه الصفح، فركب وأناخ في مسجد الشيخ، فوجده فيه فأنشده قصيدته الآتية، فقال ليتك هجوتنا في كل يوم، واعتذرت بمثل هذه القصيدة، استحسانا لها، وهي:
هاجتْ رسيس بلابلي وهموم ... قَسْرًا دَوارسُ أرْبُعٍ ورُسُومِ
أودَتْ بهنَّ يَدُ الزمانِ فأسأرتْ ... كالوحْىْ أو كَمُرَجَّعَاتِ وشومِ
كانت لروض اللَّهْوِ مرعةً فانتهتْ ... للعِين مرعة الشيحِ والقيصوم
لله ما جلبتْ له عِصاتُها ... من ذكر عهدٍ للشباب قديمِ
فأراد يكتم ما به وبدمعه ... ظهرت ضمائرُ سرّهِ المكتوم
إن ترمني بسهام لحظ غادرت ... بين الجوانح داميات كُلُوم
فلرُبما سَرَّتْ بمرأى رائقٍ ... عيني أوان مسرَّةٍ ونعيم
ولكم سحبتُ بربعها بُرْدَ الصّبا ... وشرِبْتُ عذْب رحيقه المختوم
ولكم عمدت إلى الملاعب مائسًا ... كالغصن عطفّهُ هبوبُ نسيم
1 / 62