قَبيلَةُ إِدَوْعَلِ
عبد الله بن محمد بن عبد الله بن الطالب بن حبيب بن أبيج ينتهي نسبه إلى يحيى العلوي الجد الجامع لأكثر القبيلة في تلك البلاد، يعرف بـ
ابن رازكه
بكاف معقودة وهي أمه، ويعرف أبوه بمحم وجده بالغاظي (بالظاء والغين المعجمتين تصحيف القاضي) ويعرف أيضا بقاضي البراكنة العالم النحرير، المقدَّم على أهل قطره من غير نكير. كل عن مداه كل جواد، يعترف بذلك الحاضر والباد، وانتشر صيته في تلك الصحارى والأقطار، حتى صار كالشمس في رابعة النهار، وضُرب بفهمه المثل. واستوى في معرفته السهل والجبل.
وكان مولده في أرض القبلة، ثم نشأ بها إلى أن ترعرع، فطمحت نفسه إلى العلوم، فاشتغل بها حتى تضلع. وكان ذلك على طريق خرق العادة، إذ مدة طلبه لما نال ليست معتادة. ثم جعل يرجع إلى بلدة تارة والى مسقط رأسه أخرى. ثم طمحت نفسه إلى الأعتاب السلطانية. وكان ذلك في إقبال الدولة العلوية. فاتصل بأمير المؤمنين مولاي إسماعيل ﵀، فحظي عنده. وكان ذلك وقت نبوغ المولى محمد بن مولاي إسماعيل المعروف بالعالم، الذي اشتهر علمُه وفضله فكان من خاصته. وكان يكرمه بما لم يقصر عما يذكر من إكرام الرشيد وأضرابه لمن توجهوا إليه، فكان يفد إليه ثم يرجع إلى بلاده، فإذا تذكر تلك الشمائل العالمية، والأيادي الحاتمية. تتصاغر عنده الصحراء وأهلها، ثم يرجع إلى الحضرة السلطانية. وكان له صديق من الترأرزه، اسمه أعل شنذوره، جد محمد لحبيب الأمير المشهور. وكان تضطهده أبناء رزك، لشوكتهم في ذلك العصر، فأخذه مرة وتوجه به إلى مكناسة الزيتون حرسها الله، ولما قدماها ونزلا عند المولى إسماعيل أكرمهما، وقال سيدي محمد العالم يرحب بهما:
1 / 1
مكناسة الزيتون فخرًا أصبحت ... تزهو وترفلُ في ملاءِ أخضرِ
فرَحًا بعبدِ الله نجل محمدٍ ... قاضي القضاة ومن ذؤابة مغفرِ
ثم ذكرا للسلطان صولة أبناء رزك في أرض القبلة، فأمدهما بمحلة كبيرة وأمر عليها أعل شنذوره، فسار بها إلى أن وصل أرض القبلة، فأباد أبناء رزك ولم يبق إلا مواليهم من ذلك الوقت.
ولم يزل سيدي عبد الله يعود إلى ارض المغرب مرة بعد مرة، إلى أن ثار المولى محمد صاحبه بأرض السوس على أخيه، وله فيه قصيدتان جيدتان سأورد ما تذكرت منهما.
وكان عبد الله المذكور متفننا في فنون شتى. منها: النحو. والعربية. والبيان. والمنطق. والفقه. والهندسة. والرياضة. والتربيع وغير ذلك، ولم نر من أخذ عليه شيئا إلا ما قيل عن بعضهم، إنه غلطه في فائيته حيث يقول:
قفوت بها الشاميّ في الفاءِ موقنًا ... بأني وإن دون إدراكه ضعفا
قال: لأن الذي تقدمه في هذا الروي واقتفاه، هو ابن هانئ الأندلسي وهو مغربي، فكيف يقول إنه شاميّ، وهذا غير صحيح، لأن الشامي الذي يعني، هو أبو الحسن علي بن أحمد الشامي المغربي، وإنما لقب أبو الحسن هذا بالشامي، لان جده قدم من الشام على حضرة فاس حرسها الله، فاشتهرت بنوه بالنسبة إلى الشام. وأبو الحسن هذا، مات بعد الثلاثين والألف، ويدل عليه أن فائية عبد الله المذكورة في مدح نعال النبي ﷺ، كما أن قصيدة أبي الحسن الشامي كذلك. أما فائية ابن هانئ المعروف بمتنبي، المغرب فإنه مدح بها جعفر بن عليّ صاحب الزاب. قالوا وأخذ عليه أيضا قوله:
ترى عَين الفتى جناتِ عَدْنٍ ... وتُصلى قلبهُ نار الجحيم
لأن هذا البيت هو بيت المتنبي:
حَشايَ على جمرٍ ذكيّ من الغضى ... وعَينايَ في روضٍ من الحسن ترتع
1 / 2
وهذا غير صحيح، لان قوله جنات عدن، أبلغ من روض من الحسن، ولأن نار الجحيم أحر من جمر الغضى، فاستحق هذا المعنى بما زاد فيه. قالوا وأخذ عليه أيضا قوله - وكان: يقرأ بين يدي المولى إسماعيل أو ابنه مولاي محمد العالم - فقال: الوخيذ بالذال المعجمة، فأرجعه السلطان أو ابنه. فقال: إنه بالذال المعجمة وبالمهملة، فطلب منه شاهدا على ذلك فارتجل:
أقولُ لصاحبي لما ارتحلنا ... وأسرَعنا النجائبَ في الوخيذِ
تمتّع من لذيذ كلام حورا ... فما بعدَ العشيةِ من لذيذِ
وهذا مغالطة منه، والجواب عن هذا أن ذلك يغتفر كما وقع لأبي العباس المبرد فإنه ورد الدينور زائرا لعيسى بن ماهان، فأول ما دخل عليه وقضى سلامه. قال له عيسى: أيها الشيخ! ما الشاة المجثمة التي نهى النبي ﷺ عن أكل لحمها. فقال: هي الشاة القليلة اللبن مثل اللجبة. فقال: هل من شاهد؟ قال نعم، قول الراجز:
لم يبق من آل الحميد نسمه ... إلا عنيز لجبة مجثمه
فإذا الحاجب يستأذن لأبي حنيفة الدينوري، فلما دخل عليه قال: أيها الشيخ ما الشاة المجثمة التي نهينا عن أكل لحمها؟ فقال: هي التي جثمت على ركبها، وذبحت من خلف قفاها، فقال: كيف تقول ذلك، وهذا شيخ أهل العراق يقول: هي مثل اللجبة، وأنشده الشعر. فقال أبو حنيفة: إيمان البيعة تلزم أبا حنيفة أن كان هذا التفسير سمعه هذا الشيخ أو قرأه، وإن كان هذا الشعر إلا لساعته، هذه فقال أبو العباس: صدق الشيخ، فإنني أنفت أن أرد عليك من العراق، وذكرى ما قد شاع، فأول ما تسألني عنه لا أعرفه، فاستحسن منه هذا الاعتذار. ولعمري أن بيتيه أحسن من بيت أبي العباس عند المنصف.
ولنبدأ بقصيدته التي مدح بها نعله ﷺ وهي:
1 / 3
غرام سقى قلبي مدامته صرفا ... ولمّا يقمٍ للعذل عدلا ولا صرفا
قضي فيه قاضي الحب بالهجر مذ غدى ... مريضًا بداءِ لا يطبُّ ولا يُشفى
نهاريَ نهرٌ بين جَفنيَ والكرى ... وليلىَ بحرٌ مرسَلٌ دونهُ سَجفا
جريحُ سهام الحب عاث به الهوى ... فأبدى الذي أبدا وأخفى الذي أخفى
توطّنتِ الأشواقُ سوْداَء قلبهُ ... فترفعهُ ظرْفًا وتخفضهُ ظرْفا
يحاولُ سلواني الأحبة عُذَّلى ... وهل يجد السلوان مَنْ يفقد الإلفا
سهرنا فناموا ثم عابوا جفوننا ... لقد صدقونا المُرهُ لا تشبه الوُطْفا
فحسبُ المحبّ الصادقِ الودّ قلبهُ ... جفاء بشكواهُ مرارة ما يخفى
وما ضرّ أوصالَ المحبّ مقوّتًا ... رجاء وصال الحب إسناتُها عجفا
لئن فاتنا عين الحبيب فإنما ... بآثاره الحسنى اكتفاء من استكفى
فإن لم تر النعل الشريفة فانخفض ... لتمثالها واعكف على لثمها عكفا
وقف رائمًا إشمام ريا عبيرها ... حشاشة نفس ودّعت جسمها وقفا
ولا ترض في تقبيل إلف تحبهُ ... إذا أمكن التقبيل ألفًا ولا ضعفا
بدت روضة مسكية النشر أوشكت ... لطيب شذاها العين أن تحسد الأنفا
أيمكن رس ضمه الفم دونها ... أيملك جفن غضه دونها الطرفا
ترد الردى المخشىّ وشْكُ بلائه ... ولولا قضاءٌ سابقٌ ردّت الحتفا
وتجلب في سوق التكسب طرْفةً ... وتجنب في مضمارِ نيل العلى طرْفا
ورمحًا ردينيًا وسهمًا مفوَّقًا ... وسيفًا سريجيًا وسابغة زَغْفا
فشمِّر وأظهرْ كل شرّ تضمهُ ... وإياك والإضمارَ في الشرح والحذفا
وحكم لها من هنَّ بالفصلِ حُكَّم ... ثلاثتهن الشرع والعقل والعرفا
1 / 4
مضى سلف في خدمة النعل صالح ... فكن خَلَفًا فيما تعاطوه لا خَلْفا
رأوا تلك في الدنيا الدنية قربة ... إلى الله في الأخرى مقربةً زلْفى
أرى الشعراء الهائمين تشببوا ... بذكر المحاكي من يحبونه وصفا
يُذيعون ذكر البان والحقف ذي النقي ... ويطرون ذات الخشف بالقول والخشفا
فها أنا في تمثال نعليك سيدي ... مضيت على التحقيق في الوصف كالأشفا
وإني وتوصافي بديع حلاهما ... كمن همَّ بالبحرين يفنيهما غرفا
موازي ترابَ النعل بالتبر سائمٌ ... جبال شروري السمَّ أن تزن الزفا
أيا من سَقَتْ ألفًا ظماء بنانهُ ... كما وهبت ألفًا كما هزمت ألفا
يد سميت في فادح الفقر راحة ... كما سميت في كفها للعدى كفا
ومن قام في الإسراء والحشرِ خلَفه ... نبيؤ إله الحق كلهم صفا
نبي وقانا صرفيِ الدهر يمنه ... فها نحن لا أزلا نخاف ولا عنفا
له مكنة في علم كل خبيئة ... يقينًا ولم يخطط على مُهْرَقٍ حرفا
تناهي إليه علم ما كان أودعت ... بنات لبيدٍ بيرَ ذروان والجفا
وما في ذراع الشاة مما تعمدت ... يهود ولكن ما أعفّ وما أعفا
وما ملكوت العرش عنه مغيبًا ... يعاينه والعين نائمة كشفا
يجوز عليه النوم شرعا وما سهى ... له قلبه اليقظان قط وما أغفا
وما أرضة البيت الحرام تعقبت ... كتاب قريش إذ نفت كل ما ينفي
لمولدك الميمون آيٌ شهيرةٌ ... شفت غُلَّةَ الراوين من قولها الشفا
وفيما رأت عينا حليمة مذ رأت ... تبنيك هو إلا حظي شفاء من استشفى
ولو لم يجبك البدر لما دعوتهُ ... لما شئت لم ينفكُّ نصفين أو نصفا
ولم تك أمّ المؤمنين وإن سخت ... لتفنى لولا كيلها ما على الرفا
1 / 5
إلى معجزات أنجم الجوِّ دونها ... نُمُوًّا وحُسنًا وارتفاعًا ومُصْطَفا
فلا الدهرُ يحصيهنَّ عدًّا ولو غدت ... مداداُ لياليه وأيامه صُحْفا
بك الله نادى عالم العقل باليًا ... فأغواهُم عدلا ووفقهم لطفا
تأثل منك النجم كيفية الهدى ... وشمس الضحى الإشراق والعنبر العرقا
ورشدك ما أبداه فانكشف العمى ... ووجهك ما أبهى وقلبك ما أصفا
ونوَّرت أضغان العدوّ مواليًا ... عليهم هدى الآيات يشرقن والزحفا
ولي فيك عيم ما أن العين ثرة ... حكتها ولا هامى الحيا مثلها وكفا
وخد كما تحت المحيط من الثرى ... فآليته لاجف إلا إذا جفا
وفكرة حيران الحجا قذفت به ... نَوًى شُطُرٌ من حيث لم يحتسب قذفا
وقلب تولى الحب تصوير شكله ... صنوبرة ثم استبد به حلفا
فكان سواء عذبه وعذابه ... عليه فما استعفاه قط ولا أعفا
وشعر بديع لو حوى الفتح شينه ... تمنت عذارى الحيّ وارده الوحفا
فإن لم يكن حق النبيّ فزخرف ... إذا زلزلت للحشر ألفيته كهفا
قفوت بها الشاميّ في الفاءِ موقنًا ... بأدنى وإن دون إدراكه ضعفا
أنا التابع النعّات فيك مؤكدًا ... بيانهمُ أرجو به عندك العطفا
تخذتك كهفًا دون ما أنا خائفٌ ... فلم أخش في أعقاب حادثة لهفا
فرشني ومن راشت يداك جناحه ... يكن آمنًا ما عاش من دهره النتفا
وأطلق سراحي من ذنوب عظيمة ... تعاظمني إبثاقها ليتني أكفى
عيك صلاة الله جمعاء كلها ... وتسليمه ما طاش عقلٌ وما ألفى
وآلك والصحب للذين علاهُم ... أقلتهمُ أرضًا أظلتهمُ سقفا
1 / 6
وهذه قصيدة علي بن أحمد الشامي المغربي التي تقدمت الإشارة إليها:
دعوا شفة المشتاق من سقمها تشفى ... وترشف من اسآر ترب الهدى رشفا
وتلثم تمثالا لنعل كريمةٍ ... بها الدهر يستسقى الغمام ويستشفى
ولا تصرفوها عن هواها وسؤْلها ... بعدلكم فالعدل يمنعها الصرفا
ولا تعتبوها فالعتاب يزيدها ... هيامًا ويسقيها مدام الهوى صرفا
جفتها بكتم الدمع بخلا جفونها ... فمن لامها في اللثم فهو لها أجفى
لئن حجبت بالبعد عنهم فهذه ... مكارمهم لم تبق سترًا ولا سجفا
وإن كان ذاك الحيف ملفى وصالهم ... فها نفحة الإفضال قربت الملفى
فحركت الأشواق منا لروضة ... أباح لنا الإسعاد من زهرها قطفا
زمانًا به موصولنا نال عائدًا ... وأكد نعت الوصل من نحوهم عطفا
تولى كمثل الطيف أن زارفى الكرى ... وإلا كمثل البرق أن سارع الخطفا
ومنها:
كأنا وما كنا نحوب منازلا ... يود بها المشتاق لو راهق الحتفا
ولم تبصر الأبصار منها محاسنا ... ولم تسمع الآذان من ذكرها هتفا
كذاك الليالي لم تحل عن طباعها ... متى واصلت يوما تصل قطعها ألفا
فلا عيش لي أرجوه من بعد بعدهم ... وهيهات يرجو العيش من فارق الإلفا
ومنها:
أيا من نأت عنه ديارُ أحبةٍ ... فمن بعدهم مثلى على الهلك قد أشفى
لئن فاتنا وصل بمنزل خيفهم ... فها نفحة من عرفهم للحشا أشفى
وهاذيك أنفاس الرياض تنفست ... برياهُم فاستشفينَّ بها تشفى
وقل للأولى هاموا اشتياقًا لبابهم ... هلموا لعرف البان نستنشق العرفا
فصفحة هذا الطرس أبدت نعالهم ... وصارت له ظرفًا فيا حسنه ظرفًا
تعالوا نغالى في مديح علائها ... فرُب غلوٍ لم يعب ربه عُرفا
ولله قوم في هوانا تنافسوا ... وقد غرفوا من بحر أمداحها غرفا
1 / 7
وإنا وإن كنا على الكل لم نطق ... نحاول بعض البعض من بعض ما يلفى
لئن قبلوا ألفًا نزد نحن بعدهم ... على الألف ما يستغرق الفرد والألفا
وإن وصفوا واستغرقوا الوصف حسبنا ... نجيل بروض الحسن من وصفهم طرفا
ونقبس من آثارهم قدر وسعنا ... ونركض في مضمار آثارهم طِرْفا
ومن مديحها في سيد البشر، الشافع المشفع في المحشر، ﷺ:
أُناديك يا خير البرية كلها ... نداء عبيد يرتجى العفو واللطفا
وأين محق في هوى حبك الذي ... يفل جيوش الهم أن أقبلت زحفًا
وما أنا فيه بالذي قال هازلا ... أليلتنا إذ أرسلت واردًا وحفًا
وأشار بهذا إلى قصيدة ابن هانئ الاندلسي، التي تقدمت الإشارة اليها ومطلعها:
أليلتنا إذ أرسلت واردًا وحفًا ... وبتنا نرى الجوزاَء في أذنها شنفًا
وهي مشهورة فلا نطيل بذكرها، وإنما الغرض تبرئة المترجم من الغلط.
وقال أيضا ملغزًا في قوله تعالى (ثم استخرجها من وعاء أخيه) ويخاطب علماء فاس عموما، ويخص العلامة ابن زكري:
شيوخ البيان الذائقين حلاوة ... من العلم لم تطعم لغير ذويه
سلام من الله السلام ورحمة ... يعمانكم من خامل ونويهِ
سؤال غريب دون شنجيط أرضه ... من البعد تيه يتصلن بتيه
إذا شبَّه الهادي بها وجه مرشد ... تشابه في عينيه وجه مُتِيهِ
قِراهُ لديكم أهْل فاس جوابهُ ... بنص بيان في البيان وجيهِ
سما بكمُ علم البيان وحقه ... إذا ما هوى ظن بمختلجيهِ
أسائلكم ما سر إظهار ربنا ... تبارك مجدًا من وعاءِ أخيهِ
فلم يأت عنه منه أو من وعائه ... لأمر دقيق جلّ ثم يخيهِ
فإن تك أسرار المعاني خفية ... فمرآتها أفكار كل نبيهِ
وأنت ابنَ زكريّ نبيهٌ محقق ... تفرَّدْتَ في الدنيا بغير شبيهِ
إذا غصت في بحث حصلت بدره ... وخليت عن سفسافِه ورديهِ
1 / 8
يمدك في إتقان علم تبثه ... قياس أصوليّ ونص فقيهِ
وقاك الذي أبداك كالنجم يتقى ... به الغيَّ من يبغي الهدى ويعيه
وقد أجاب هذا اللغز، محمد بن سعيد اليدالي الديماني، بقصيدة طويلة. قال في الذهب اقتصرنا منها على محل الفائدة وهو:
سؤال بليغ في البيان نبيه ... أديب من أرباب الهدى وذويهِ
عليه مدار العصر في العلم سيما ... علوم المعاني وهو قطب رحيه
سبوق لدى قيد الشوارد راكب ... من الفهم متنيئ لاحق ووجيه
عن السرّ في إتيان ربي بظاهرٍ ... مكان ضمير في وعاء أخيهِ
معَمًّى قد أعيا أهل فاس وغيرهم ... فكنا بحمد الله مفتتحيهِ
وكلَّفني نصحُ البرية فكّهُ ... فأعْظِمْ بما قد كان كلفنيهِ
فقلب وبالله الصَّوَابُ مجاوبًا ... له بقياسِ في الأصول وجيه
ولكنه صعْبُ المدارك معْسِرٌ ... على ضُعفَاءِ الفهم مُنْتَقَصَيه
فهذا بحمد الله إيضاح لُغْزِهِ ... مساوٍ له في بحره ورويهِ
فلو قال فرضًا ربنا من وعائه ... فذالكم بعد التفكرِ فيهِ
يؤدي إلى عود الضميرِ ليوسفٍ ... فيفسد معناه لمختبريه
لأنّ الضميرَ في الصناعة عائد ... لأقرب مذكور هناك يليه
وإن قال منه اختل أيضًا لأنه ... يؤدي لعود مضمر لأخيه
فتنزع منه الصاع لا من وعائه ... وتأنف من ذا نفس كل نزيه
لما في انتزاع من أذىً ومهانةٍ ... ولم يرد الرحمن من ذا بنبيهِ
ونص على هذا السيوطي فهاكه ... بوجه بياني ونص فقيه
ويعرف هذا الذائقون حلاوة ال ... معاني ومن يدري الهدى ويعيه
وفي فضلك اجمع شملنا ربنا كما ... فعلت بيعقوب النبي وبنيهِ
وصل على الهادي وسلم وآله ... وأصحابه طرًّا ومتبعيه
1 / 9
وقائل هذا ابن السعيد محمد ... محبُّ النبيَّ المصطفى وسميه
وله أيضا يشكو حال بعض علماء وقته:
سقى دمن الحي الحيا المتفائض ... وفي وجهه برقٌ من البشرِ وامض
يَصُبُّ عليهنّ المياهَ كأنه ... لما دنّس العصران منهن راحض
معاهد أرآم الأنيس فأصبحت ... وفيها لأرآم الفضاء مرابض
رياض لوى بيض العمائم حزنها ... كما قمِّصَت خضر الملاء الربائض
تذكرنا هاتى بتلك تشابهًا ... يبين فيخفيه الشوى والمآبض
فتلك التي يغذو صناب وناطف ... وهاتى التي يغذو كباث وبارض
أثار الدكارُ العنبرية حبها ... ففاض على الأحشاء والصبر غائض
وليل قضينا فيه للأنس حقهُ ... فتمت بما نهوى الأماني الغوائض
تدوِّم غربان الدجى فتردها ... إلى الجوحيات الشماع النضائض
زمان توانى في المصالح أهله ... وكلهم نحو المفاسد راكض
يقولون خير الدين والعلم سعيهم ... وسعيهمُ للدين والعلم هائض
عجزت فأظهرت القبول كتابع ... عجوزا يصلى خلفها وهي حائض
فلو كنت أرجو الودَّ منهم تواخيًا ... وما منهمُ إلا عدُوٌ مباغِضُ
لكنت كراج للنوافل حفظها ... لدى مَنْ مضاعاتٌ لديه الفرائض
وراج لداءٍ طب من هو مشكل ... عليه مريض الماءِ والمتمارض
كما خض ماء الشنّ جرَّا إتائه ... ومُطّلب عنّاهُ أبلق ماخض
إلى كم وهذا الجور يبرم حكمهُ ... ولم يتعقبه من العدل ناقض
ولم يبق إلا مغمض متباصر ... يخاف أذاه مبصر متغامض
1 / 10
يروح جراب الباطل الفعم جهده ... وما في جراب الحق إلا نفائض
على صورة الإنسان غطيت صورة ال ... حمارِ وغطتها الثيابُ الفضافض
سأعصى عذولي في السُّرى وهو ناصح ... وأغتشه في نصحه وهو ماحض
وتطوى عواصى القفر عيسى بأذرع ... طوال التمشي بالخضم النضائض
إلى حيث صيرُ الشرع لا نهج ظاهر ... ولا باطل من حكمه متناقض
ومن عد للجُلّى وحملان عِبْئِها ... تأَرَّضَ عنه المُسْتَطيلُ الجُرائض
إذا ما اللحى لم تَسْعَ في النفع أهلها ... لأهليهمُ فلتسع فيها المقارِضُ
ولىّ حفيّ بالمريد فعذقه ... بجنته والداء أدوءُ نابض
يرجيه عند البسط والله باسط ... ويخفيه عند القبض والله قابض
وقال أيضا يمدح أبناء أحمد من دامان في أول القصيدة، ثم عاد إلى الغزل، ثم استأنف مدح العلامة محمد كريم الديماني الفاضلي، مجيبًا له عن قصيدة مدحه بها لم تحضرني:
تخافقت البروق على الغميم ... شفاؤك يا مقيلة أن تشيم
مخيّم جيرة شُمّ كرام ... طهارى أوجهٍ بيض وخيم
أعزاءُ القنا حيٌّ لَقاحٌ ... يرون الموت في عيش المضيم
مُسِيموا الغضْيَبات بكل أرضٍ ... حَماما الخوْفُ غاشيةَ المسيم
فوارس يركضون بنات عوج ... أتوا وأتين بالعجب الجسيم
حقيقة أن جنس الليث يعدو ... إلى الهيجا على جنس الظليم
بُناتُ الرَّيط في الفلوات يبدو ... على الأميال كالرمل العظيم
خيام الناسِ لكن كل سجف ... يزاوج بين قسورة وريم
سقاةُ الضّيفِ ألبان المهارى ... ومن عادوه بالآن الحميم
ففي أسيافهم حنف الأعادي ... وفي راحاتهم كسب العديم
1 / 11
نأوا بخريدة غيداَء رأدٍ ... ونيم للغواني أيُّ نيم
طَوتْ كشحِي على جمرٍ تلظى ... غضى طيانةُ الكشح الهضيم
أثيثَةُ وحْفِها الحاكي اسودادًا ... وطولا ليل عاشقها السليم
يصول إلى مُخلخلها هُوِيًّا ... لينقذه من الحِجْلِ الفصيم
ترى عين الفتى جناتِ عدن ... وتُصلى قلبه نار الجحيم
قواطع في حشا المصغي إليها ... مقاطع درّ منطقها الرخيم
وتسرى في حُشاشته فيحيى ... حميا الكأس في قلب النديم
أقرَّ الحُسْنُ ملكا في يديها ... وتيرةَ ذي الأناة المستديم
أردتُ وصالها طمعًا فهِمنا ... بأودية الغرام المستهيم
وحالت دُونَ رُقباها خيالا ... عوارضُ من عذاب هوىً أليم
مُبينةُ خُلْفِ عُرقوب وحقٌّ ... لديها واجبٌ مَطْلُ الغريم
ثنا القرطان أذنيها وأصغا ... هما الشنفان للواشي النميم
لرِدْفيها وخصْرَيها اختلاف ... رجاجةُ مقعدٍ وضوًى مقيم
وأنوارُ الدَّرَاري والزهاوي ... تلاشت في محياها الوسيم
رَدَاحٌ فَعْمَةُ اللاذي اليماني ... روى ماَء الشبيبة والنعيم
وما أدرى أعارت أم أعيرت ... محاجرها بنات مها الصريم
أألبسها الكمالَ كما اكتساهُ ... محمدٌ الكريم بن الكريم
إمامٌ بلغت يده المعالي ... محلًا لم تَرُمْهُ يَدا أريم
كأنْ قد خُوطبت فيه استقرى ... لديه كيف شاَء ولا تريم
يدافع عن حقائق كل مجدٍ ... مدافعة الغيور عن الحريم
لآل الفاضل الفضلاءِ أيد ... شددن على عُرى المجد الصميم
كُسُوا حُلَلَ التقى الضُّفْيا وأع ... طوا تمام الخُلق والخَلق التميمي
1 / 12
هم الأمثال في الآفاق سارت ... مسير الشمس بالضوء العميم
لشرحِهمُ خبايا كل فن ... جهلنا ما البليد من الفهيم
فما نخشى الضلال وهم نجومٌ ... ترينا الهدْى في الليل البهيم
أئمة حِزْبِ أحمد ما نعيهم ... مكايد حزب إبليس الرجيم
سعت في الخدمة الدنيا عليهم ... وهم في خدمة الدين القويم
ثِمالُ الناسِ في اللأواء يسلى ... بهم فقدان كلّ أب رحيم
جميلٌ ليس معزوًا إليهم ... بلا حاءِ ولا دال وميم
بيانُ محمدٍ صبحٌ منيرٌ ... فأفحم كل ذي جَدَلٍ خصيم
مُجَلَّي حلْبة الأدب المسمى ... مسابقة المبرز باللطيم
أبو الطلاّب لا ينفك منهم ... حنانَ الأمِّ بالطفل الفطيم
أقول لحاسدٍ رام اعتسافًا ... يسابقه ركبت على مليم
تيقظ من كرى حسد مخلٍّ ... شبعت به من البنج المنيم
فأمَّ كوالديك بوالديه ... به أمُّ الصراط المستقيم
عسيرٌ ما تعالجه فأولى ... علاجك داَء خاطرك السقيم
فما ساع إلى مجد بجدٍ ... كمتكل على عظم رميم
أترضى ويح أمك ما يؤدِّي ... إلى تعقيب أقضية الحكيم
زَعمنك بيننا ملكا مُطاعًا ... لِيهنئكَ الخُرَاجُ بغير جيم
ظنناك الزعيم وما صدفْنا ... وفزنا منه بالرجل الزعيم
شفى السُّؤَّال إلا حاسديه ... وهل يشفى الزلال غليلَ هيم
أسيدىَ العزيز علىَّ قدرًا ... رضيتُ له بمسكنة الخديم
أخلت فتاك محظوظًا بعلم ... فخفتَ عليه تعلاك الشكيم
1 / 13
أفادك محض وُدِّك فيه ظنَّا ... جميلا صنع ذي قلب سليم
فَلِمْ ولديك روض العلم غضًّا ... رعاك الله تُعنى بالهشيم
وكائنْ حزت من مرعىَ مريئٍ ... فأيَّةُ حاجةٍ لك بالوخيم
وشرٌّ إصابة الدنيا كريما ... إذا ما أحوجته إلى لئيم
ينال ابن الكريمة شَرُّ خطب ... ولا يرضى التخلص بالذميم
أجلْ درجات أهل العلم شتى ... تناهيها إلى الله العليم
لأمرٍ في ازدياد العلم سارت ... إلى الخضر العزيمة بالكليم
عدمنا قبل شعرك كون شعر ... قوافيه من الدرّ اليتيم
جواب عنه جهد أخ مقل ... جزاء الترب عن تبر فخيم
ترى العينان في رشّات مسك ... لأول وهلة شبه الوَنيم
فتفصل مِسْك تُبّتَ دون لَبْسٍ ... من الحتيتِ جارِحَةُ الشميم
وما العرّارُ كالرئبال بطشًا ... وإن حاكاه في رجع النئيم
إليك فأغض جحمرشٌ عجوز ... تقص معالم الزمن القديم
لها في اللهو ضرب بعد ضرب ... على آذان أصحاب الرقيم
فتاة حين جُرهم استعاذوا ... وطافوا بالمقام وبالحطيم
وإذ بكرت على طَسْم جديسٌ ... وإذ خربت ديار بني أمِيمِ
وإذ صَليت تميم نار عمرو ... مُضيِف البُرْجُمي إلى تميم
هدية عبدك البادي المساوي ... فغطَّ مساويَ العبد الجريم
1 / 14
خدمتُ مقامك الأعلا امتداحًا ... أتيت به على نمط عقيم
لشعري منهُ عزًا وارتفاعًا ... نصيب السلك من شرَفِ النظيم
ودادك في مشيج دمي ولحمي ... وفي عظمي وفي ضاحي أديم
صلاة الله أزكى ما يحيىِّ ... زُجاجةَ ذلك الوجهِ الوسيم
مطايا الشوق في قلب المعنى ... إليك الدهرَ عاملةُ الرسيم
وفضَّ تحيتيك ختامُ مسك ... يُذيع أريجَه طيب النسيم
وقال أيضا يرثي أعمر آكجيل (بكاف معقودة) ابن هد التروزي:
هو الموت عضب لا تخون مضاربه ... وحوض زعاف كل من عاش شاربهْ
وما الناس إلا واردوه فسابقٌ ... إليه ومسبوق تخِبُّ نجائبهْ
يحبُّ الفتى إدراك ما هو راغبٌ ... ويدركه لابد ما هو راهبهْ
فكم لابس ثوب الحياة فجاَءه ... على فَجْأَةٍ عادٍ من الموت سالبهْ
ولم يقه فرعونَ عونٌ أعده ... ولا مُرْدُ نَمْرُودٍ حمت وأشائبهْ
وهل كان أبقى بُخْتَنَصَّر بَخْتُه ... وأنصاره لمَّا تحدّاه واجبهْ
فما صان حبرًا علمه وكتابه ... ولا ملكا أعلامه وكتائبُهْ
ولسنا نسب الدهر فيما يصيبنا ... فلا الدهرُ جاليه ولا هو جالِبُهْ
مضى مشرق الأيام حتى إذا انقضتْ ... ليالي أبي حفص تولت غياهِبُه
نقيبٌ نسينا كل شيءٍ لرزئهِ ... تُذكرناه كلَّ أن مناقِبُه
أناعيَه أرسلت عزلاء مهجتي ... فهادَمها حملاق جفنىَ ساكُبهْ
طوى نعيه وعيى فها أنا غائب ... عن الحسّ فيه ذاهل العقل ذاهبه
تمكن من نفسي بنفس سماعه ... جوىً فيه كُلّى ذاب قلبي وقالَبُه
فلاقيته لقيا شج متعلّلٍ ... بصدق الأماني والأماني كواذبه
عزاء حيٍّ عمه الشجو لا يني ... تساوره حياتُه وعقاربُه
1 / 15
أعاتبه فيما أقام ولم يقم ... على حجة المعذور فيما أعاتبهْ
أهاذي السحاب الغر وهي مُلثَّةٌ ... بواكيه أم تلك الرعود نواديه
تضعضعتِ الدنيا فسلمى رأيته ... لفقد ابن هَدِّ هُدَّ بالهم جانبه
فلا حَيَّ إلا وهو أصبح مأتمًا ... تداوله أشياخه وكواعبه
فقد صح موت المكرمات بموته ... وصرح ناعيه ولوَّح ناعبه
إلى أين منْ أيامه العيد كلها ... مآكله مصفوفة ومواكبه
دعاه السميع المستجاب وطالما ... دعي الأجفلي والعام أشهب آدبه
ألازمه المكتوب أن حل رأبنا ... ولكن نظام العالم انحل كاتبه
وما مثل الدنيا وراء خصاله ... بشيءٍ سوى ليل تهاوت كواكبه
فيا طِرفه ما كنت كالخيل لا أرى ... سواكَ غداة الهيعة البدُّ راكبه
هو السيد الممتد في الناس ذكره ... وفي البُؤْس كفاه وفي البأس قاضبه
يلاين مرتاضًا أريبًا وينبري ... هزبرًا أبا أجرٍ على من يغاضبه
فتىً يهب الآلاف عفوًا وتنكفي ... مخافته الآلاف حين تحاربه
تنوع فيه الناس بوع فكلهم ... إلى كل جنس كامل الوصف ناسبه
فللأبحر الراوون أخبار جوده ... وللقمر الراؤون كيف مناصِبُهْ
وللأسُد الواعون شدة بأسه ... وما دافعت في كل هيجا مَناكِبُهْ
مذاهب من يولى الجزيل ويقتنى ... به الوفرَ مَنْ أعيت عليه مذاهبه
يجد فيفنى من يناوي مهابَةً ... ويجدي ويفني من يوالي مواهبه
علانية يأتمه الجم واردًا ... فيضربه أو ماردًا فيضاربه
يناجى بما في نفس عافيه قلبه ... فيتحفه ما فيه نيطت مآربه
1 / 16
أبا فَضْلُهُ الحذّاقَ أن يحذقوا به ... فلا اليد تحصيه ولا الفم حاسبه
فلم يغنه المجد الذي هو حائز ... تراثًا عن المجد الذي هو كاسبه
علا حزمه من طبعه متعقب ... يباعده الأمر الملوم مقاربه
فما سَدُّه مستأنسًا ما يريبه ... محاكيه السد الذي شادَ ماربه
معاطفه ما ضقن ذرعا بحادث ... جليل وإن كانت تخاف مَعَاطبه
إمامُ نديً في جامع المجدِ راتبٌ ... تحيل القضايا أن تنال مراتبه
منّور مرآت الفؤادِ مَوفّقٌ ... تراءى له من كل أمر عواقبه
تفرِّق ما يكفي البرِيَّة كفُه ... وتجمع من فوق التراب ترائبه
نسوجٌ على منوال ما كان ناسجًا ... على ذكره من عهد يحيى عناكبه
على يده الطولى تقمَّصت مِطرفا ... من العز والإثراء ها أنا ساحبه
أيجتمع البحران إلا إذا رسا ... سفينٌ مدنّات إليه قواربه
يحكمه ربَّاته في نفيسها ... ويدعوه فيما يصطفى فيجاوبه
فيصدر ركبا بعد ركب ثقيلة ... بما وهبت تلك اليمين ركائبه
فنبصره عذبا فراتا غطمطما ... يذِلُّ له حقو الاجاج وغاربه
تزاحم في بث الجميل تسابقًا ... إلى شكره أفواهه وحقائِبُهْ
إلى بابه في كل تيهاَء منهج ... يؤدي إليه طالبَ العرف لاحبُهْ
عجبتُ لأيدٍ كيف وارت بمضجع ... غمام أيادٍ يوعبُ الأرض صائِبُهْ
سقى الله قبرًا ضمُه وبلَ رحمةٍ ... من الرَّوح والرَّيحان تهمى سحائبه
وأوفض في وحش التراب بروحهِ ... إلى حيث أترابُ الجنانِ تلاعبه
فصاحب علىَّ الصبرَ فيه وآخِه ... فمحمودة عقبي من الصبر صاحبه
1 / 17
فما حان حتى بان منك سميذع ... يجاريه في ميدانه ويجاذبه
هو الفاعل الخيرات قدِّر حتفه ... فثق بوجوب الرفع إنك نائبه
تبارَيتما بدرين في أفُقِ العُلا ... وقد سُرَّ باديه وأحْزَنَ غائبه
وما قلدوك الأمر إلا تيقنًا ... لإدراكك الأمر الذي أنت طالبه
فقم راشدًا واقصد عدوَّك واثقًا ... بفتحكه إذ همُّ خوفك ناصبه
فيؤيدكَ الله الذي هو باسط ... يديك فمغلوب به من تغالبه
فلا يَثْنِكَ الحساد عما تشاؤه ... فلن يمنع الحساد ما الله واهبه
فأموالهم ما أنت بالسَّيْنِ واهبٌ ... وأعمارهم ما أنت بالسيف ناهبه
كما لك يا إنسان عين زمانه ... تكنفه حفظ من الله حاجبه
وقال أيضا يرثي العلامة أحمد بن يوسف البوحسني:
هو الأجل الموقوت لا يتخلّفُ ... وليس يرد الفائتَ المتأسِفُّ
رضينا قضاء الله ﷻ ... وإن ضَلَّ فيه الجاهلُ المتعَسِفُّ
هو الحق يحزينا ثواب صنيعه ... وننفق من خيراته وهو يُخْلِفُ
يعافى ويعفو عن كثير ولم يزل ... حليما وما زلنا نسئُ ونسرِفُ
فكيف يؤدّى حمدَهُ حق حمدِه ... كما ينبغي مجدًا لِسانٌ وأحرفُ
إلهي عجزنا دون ما أنت أهله ... وخفنا ونرجو ما لديك ونرجفُ
أشارت يد الدنيا بتوديع أهلها ... وكدنا نرى الأشراطَ والله يلطف
رجوناك مِفضالا وخفناك عادلا ... فهب ما نرجِّى واكف ما نتخوّف
هي الجسر للأخرى فِسر ضيف ليلة ... عليها فكلْ ما تْستضاف وتعلَفُ
تكلفنا أشياَء لا نستطيعها ... ونعلق فيها بالمحال ونكلفُ
فأما هوانا طولها فلأَنفس ... شديد عليها ترك ما كان تألفُ
1 / 18
تصرَّفت الهوجاء فينا على عَمًى ... فلا غرض تبغيه فيما تصرف
وما ذاك إلا أنها جد كلبة ... وما طبعت إلا على الكلب تصرفُ
يبشُّ محياها إلى كل ناقص ... وتعْبِس في وجه الكريم وتصدفُ
وليس يفي فيما يفيدُ سرُورها ... بأحْزانها فيما تبيد وتتلفُ
فلا ترضها جمعاَء كتعاء جملةً ... تحلّةَ ما تولى عليه وتحلفُ
ولا دار سكنى وهي قصرٌ مُشَيَّدٌ ... فكيف وهذا قاعُهَا وهي صفصفُ
وما الزهدُ في إلغَائها وهي علقمٌ ... زعاقٌ ولكن وهْيَ صهباء قرقفُ
مضت غير ما سوف على زَرَجُونها ... ولكن على مثل ابن يوسف يؤسف
فتانا ومفتينا المصيب وشيخنا ... ونبراسنا فيما يهم ويسدف
يعاين أعقاب الأمور فراسة ... إياسيه تلقى إليه وتهتفُ
وتسمع عنه بالعجيب وما ترى ... بأحسن مما كان يروى وأظرفُ
تهم قلوب الحاسدين بغمصه ... فتسبقهم أفواههم فتشرِّفُ
بصيرٌ بحل المشكلات كأنما ... يكاشف عن أسرارها ثم يكشفُ
حكيمٌ تلاشى فيه سَحبان وائلٍ ... وقس وأفعى الجرهمي وقِلطفُ
ورسْطا وقسْطا وابن سينا وهُرْمِسٌ ... وإقليدس ذو الجوسقين وأسقفُ
1 / 19
غمامٌ بماءْ المزن ينهل مزنه ... وبحر بأصداف المكارم يقذفُ
تملك أطراف القضاء وفقهه ... وما هو إلا مالك أو مطرفُ
تخاطبنا كبرى ابن يوسف عنده ... دعوا كثرة الآراءِ هذا المصنفُ
درى في اللغَى والنحو ما شاَء في الصبّا ... فشبَّ على تحقيقه يتفلسَفُ
يجوّدُ آيات الكتاب فصدرُه ... لِمَجْموع ذي النورين عثمانَ مصحفُ
عواطل آذان من العلم لم يكن ... يقرّطها تدريسه ويشنفُ
يفسرُه تفسير حبر موفق ... يسنى له فيض العلوم فيغرفُ
نضت جودها في كفّهِ كفُّ حاتم ... وزرَّ عليه جبة الحلم أحنفُ
أشَمُّ المعالي همه وهو همها ... ويشغف فيها مثل ما فيه تشغفُ
قَصرن عليه الطَّرف وهو كأنما ... برؤيا سواها كان يقذى ويطرفُ
وما كنت أدرى قبله الموت زعزعا ... يدك جوديّ المعالي وينسفُ
ولا حاجيًا أن يستهلَّ ابن ليلة ... على الناس بدرًا كاملا ثم يكسفُ
توغلت سجن الهم فاصبره حسبة ... يجازيك من مجزيِّ يوسفَ يوسفُ
أراد بك الله التي هي عنده ... أحَظُّ وأحظى بالمفاز وأشرفُ
ولو أن آثام البرية كِفَّةٌ ... لخفت بما فيها ثوابك يصرفُ
وبَخْ بَخْ وبشّرِ أمّ أحمد بالذي ... يثنى لها من أجرها ويضعّفُ
فلا تجزعا يا ولديه فربه ... برُّ به من والديه وأرأفُ
وخلى ومن أصفيت ودي ومن به ... أقيم اعوجاجي كله وأَثَقّفُ
وأفرشتني شوك القتاد وإنما ... فراشاك في الفردوس لاذٍ ورفرفُ
وجازاك عنها خير خير يناله ... ويُجْزَى به الدَّيانة المتحنِفُ
وخلَّي لمولاه الحضيضَ وأهلَه ... فليس له إلا إليه التشوّفُ
وتعزوه للأحداث سن صغيرة ... ويعزوه للأشياخ علم يؤلفُ
1 / 20