دعوتك أستشفي إليك فوافني
على غير علم منك أنك لي آسي
فهتف ولي الدين بك: «كفى!»
ثم تابع بعد سكون قصير: «آه خليل! خليل! لو سئلت كيف ينظم موكب دفني، لتمنيت أن يرثيني خليل مطران بأبيات ينشدها عزيز نصر على مقربة من نعشي السائر، أريد أن أشيع إلى قبري على هذه الصورة في موكب ينظمه سليم سركيس.»
كتبت كل هذا عن ولي الدين بك؛ لأني أعلم أنه كاتب محبوب في سوريا، وأن أخباره تهم القراء الذين لا يستطيعون الوقوف على مثل هذه المعلومات من الصحف السيارة.
إن الأدب العذب المتسم به هذا الرجل شأن من تربى تربية عالية ممتازة، لا يحول دون شذوذ خاص به، هو نفس كثيرة الأهواء، منهوكة القوى، متمردة وثابة حساسة رقيقة، حتى لتخال رقتها وإحساسها سقاما أحيانا، وإذا جاء وقت الوثب كان متهورا في شجاعته، غير ميال ولا هياب. فلا عجب إذا جذبه البحر، ونبه فيه أشواقا غير مألوفة، ولا عجب أن تسمع منه هذه الجملة: «أود أن أموت غرقا بدلا من أن أموت في سريري بين جدران ضيقة بعد عذاب أيام وحشرجة ساعات. أريد أن أموت غرقا في البحر على غير استعداد؛ لأن في مثل هذه الميتة الشعرية عظمة وشذوذا».»
هذه هي الأخبار والنوادر التي سجلتها مي عن ولي الدين، فأعطتنا مفتاحا لنفسيته، وإن يكن من المفيد أن نتم هذه الأخبار والنوادر بما ذكره أنطون الجميل، وبخاصة عن موت ولي الدين وطريقة هذا الموت ، فهو لم يمت بغتة ولا غرقا، وإنما مات بعد عذاب أليم، ومرض طويل ألزمه البيت سنوات.
وكتب إلى أنطون الجميل في 12 فبراير سنة 1918 يصف هذا المرض فقال: «أنا في يأس شديد من زوال هذا المرض ... الذي عجز الطب عن دفعه وهو المسمى «الربو»
emphyzème . إذا دجا الليل تكاثرت مخاوفي، فلا يغمض جفناي فرقا؛ لأني لا أغفي إغفاءة إلا وأنتبه صارخا مذعورا؛ إذ تتقطع أنفاسي، ويشتد اضطراب قلبي، وتبرد يداي ورجلاي، فأختلج مكاني وأتلوى تلوي الأفعى ألقيت في النار. أريد تنفسا أستعيد به ما يوشك أن يذهب عني من الحياة فلا أجده، حتى إذا بللني العرق وأنهكني التعب، عاودتني أنفاسي شيئا فشيئا، وذهبت النوبة على أن تعود بعد ساعة أو ساعتين، ومصير مثل هذا المرض معلوم وهو مذكور في كتب الطب، لم يختلف فيه طبيبان ... لا أدري أمن الموت وما أنتظره من أهوال يزداد جزعي؟ وما تطلع علي شمس يوم إلا وزادتني قربا من قبري، وا لهفي على آمال تحولت آلاما! ووا حسرتي على أيام عمر ما ضحكت لي مرة إلا جعلت دموعي لها ثمنا! أهذه عاقبة الصبر التي أطلت انتظارها؟ ما أكثر ضلال الحكماء، وما أكثر غش القدماء ...»
وكان آخر ما كتب بيتين وجدا قرب سريره بعد موته، وهما:
نامعلوم صفحہ