لفظ «الواقع» من أكثر الألفاظ قربا إلى الروح العربي الآن. تردد في الفكر العربي المعاصر، وأصبح شرطا لتقدمه في الفن والفكر والسياسة. وأصبح اللاواقعي نقدا. بل أصبح غياب الواقع في حياتنا الثقافية أحد الأسباب الرئيسية للتخلف. لا يعني الواقع ما هو شائع من ضرورة قبول الأمر الواقع بمعنى التسليم بكل ما يجري من هزيمة وفقر وقهر. فهذا إنكار للمقاومة. فالمقاومة والرفض والاعتراض أيضا واقع. المثال واقع أكثر من الواقع. وكما قال فشته، الفيلسوف الألماني، من قبل: «لو آمنت بمثل أعلى أنه موجود. ثم اتضح لي فيما بعد أنه غير موجود. فليس خطئي أنني آمنت به. بل خطؤه هو أنه غير موجود».
الدين واقع بنص القرآن،
وإن الدين لواقع . فالدين ليس مجرد مواجيد للنفس ولا أحوال لها كما هو الحال في علم النفس الديني، مجرد تعبير عن رغبات وأمنيات وتمنيات لعالم أفضل، ظاهرة ذاتية خالصة. تتبخر بتغير أحوال النفس. الدين حلم لم يتحقق، وأمل صعب المنال. وقد يغالي البعض ويجعله من اختراع النفس وتجسيدا للوهم، أسطورة من صنع البشر. الدين واقع، له وجود فعلي في حياة الأفراد والمجتمعات، وليس وهما أو أسطورة. يقوم على المسئولية الفردية وقانون الاستحقاق الذي سماه القدماء «الكسب» أي ما يحصل عليه الإنسان بنفسه،
مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم . فالإنسان لا يستطيع أن يتخلى عن نتائج أفعاله، وهو واقع تحت المسئولية القانونية. الإنسان حر عاقل مسئول، في الدنيا والآخرة.
ولا شيء يستعصي على الوقوع حتى الجبال،
وظنوا أنه واقع بهم . فالوقوع أشبه بقانون الجاذبية. كل شيء يتجه نحو الأرض، الماء والطير والريح والحرارة والبرودة. إذن الخطاب الديني الذي يقوم على الوعظ والإرشاد معتمدا على الانفعالات الإنسانية، والإحساس بالذنب وضرورة التوبة وطلب المغفرة مع البكاء والنحيب كما يفعل الدعاة الجدد خطاب لا واقع له. الواقع هو حياة الناس وما يدور فيها من فقر وجوع وعطش وعوز. لذلك كثيرا ما يتحدث القرآن عن الفقراء والمساكين وأبناء السبيل والأسرى وهم بتعبير المعاصرين «المعذبون في الأرض».
الواقع أيضا هو التوقع لنتائج الأعمال الإيجابية أو السلبية، الثواب والعقاب، الوعد أو الوعيد،
إنما توعدون لواقع . والأهم هو توقع العذاب يوم القيامة نتيجة لسوء الأعمال،
إن عذاب ربك لواقع ، وليس مجرد تخويف أو ردع الغاية منه تربية النفس وإصلاحها، وهو ما يسأل عنه أصحاب السيئات،
سأل سائل بعذاب واقع . قد يتنازل الإنسان عن الثواب، ولكنه لا يستطيع أن يتفادى العقاب.
نامعلوم صفحہ