ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله . وقد عذبت امرأة في هرة فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض. ففي الأرض رزق للجميع. لكل ذي كبد رطب إنسانا أو حيوانا
وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها . فلا تتراكم الثروات عند قوم ولا تموت الملايين جوعا وقحطا، مسلمين أو غير مسلمين.
وعلى الأرض تقوم المدنية ويتأسس العمران. إن تأسست على القوة والثروة وحدهما يكون عمرها قصيرا،
كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الأرض وعمروها . وإن تأسست المدنية والعمران على التقوى والطاعة يطول عمرها
وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا . فالفضيلة قانون التاريخ وليس القوة أو الثروة.
لا تقوم الحضارة على التخريب والتدمير وتجريف الأراضي واقتلاع أشجار الزيتون وهدم المباني وشفط المياه من الآبار أو تسميمها وطرد أهلها. ومن يفعل ذلك يكون مصيره كعاد وثمود. الحياة على الأرض اختبار للإنسان. خلقها الله له ليستقر فيها ويعيد خلقها وتشكيلها بعقله وإرادته. فالإنسان يشارك في صنع الحياة فيها ويحولها من حياة عضوية إلى حياة عمرانية. الله خالق الأرض والحياة والإنسان صانع الحضارة والتاريخ. (7) الأرض الخضراء
إن تصوير القرآن للأرض الخضراء التي ينزل عليها الماء فتهتز وتربو وتنبت من كل زوج بهيج هو إيحاء للعرب بالتوجه نحو الأرض لزراعتها وريها. فصورة الأرض الخضراء في الذهن الإلهي هي صورتها أيضا في الذهن الإنساني. فالقرآن موجه للسلوك الإنساني وواقع على العمل في الأرض وبناء العمران. القرآن به كل شيء
وكل شيء أحصيناه في إمام مبين ،
ما فرطنا في الكتاب من شيء . ليس بمعنى الحلول ولكن بمعنى به كل التوجه والإرشاد والرؤية والمنظور. وما زلنا نستمد رؤانا للعالم من القدماء الذين عاشوا في عصر مضى وفي مرحلة تاريخية ولت، ونحن نعيش في عصر آخر وفي مرحلة تاريخية جديدة، من الانتصار إلى الانكسار، ومن الوفرة إلى الندرة، أو ننقلها من المحدثين فلا تنجح خططنا التنموية إذ تنقصها المشاركة الشعبية والدافع الداخلي من الثقافة الوطنية.
لذلك يقوم اليسار الإسلامي على تجربة أخرى، التوجه نحو الأرض ليس فقط للتحرير والعمران بل أيضا للزراعة حتى نأكل ما ننتجه، ونحصد ما نزرعه لتحرير الإرادة الوطنية من المعونات الخارجية والتهديد بقطعها ومنع توريد القمح والغذاء. فالهند شبه القارة التي يقطنها فوق المليار نسمة تأكل ما تنتج، ولا تستورد قمحا. ونحن ما يقرب من المليار والنصف من المسلمين يعم أراضينا القحط والجفاف من جانب، والغرق والفيضان في جانب آخر. فما هي صورة الأرض في القرآن؟
نامعلوم صفحہ