والسابقون السابقون . وفي القرآن نقد شديد للتخلف
فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله ، وللمتخلفين من الأعراب
قل للمخلفين من الأعراب ، وللخوالف
رضوا بأن يكونوا مع الخوالف ، وللقاعدين
إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين .
والغرب يزهو علينا وعلى باقي الحضارات أنه وحده حضارة التقدم، وأنه قد أغنى الحضارات البشرية بمفهومي التقدم والتاريخ والأمل في المستقبل. وصاغ لذلك «فلسفة التاريخ»، تعنى بالتقدم وباكتشاف قوانينه. فوقع في العنصرية والمركزية الأوروبية. فالتقدم يبدأ منه عند اليونان والرومان، وينتهي إليه في الغرب الحديث. في حين انشغلت الحضارات الأخرى بالخلود، بكل الزمان. وصنف غيره ضمن الشعوب «المتخلفة». تئن من ثقل الماضي دون أن تتحرر منه إلى المستقبل. ربط الإسلام بمظاهر التخلف مثل القهر والاستبداد والعنف وخرق حقوق الإنسان والمواطن والمرأة والأقليات.
ولفظ «تقدم» من فعل «قدم» يعني قديم وتقدم في آن واحد. أخذت الثقافة الموروثة أحد المعنيين وهو القديم كمعنى تداولي دون المعنى الثاني وهو التقدم فغاب المفهوم من ثقافتنا المعاصرة ومن خططنا ومن سلوكنا اليومي. هنا تأتى أهمية اليسار الإسلامي في إعادة بناء الثقافة الموروثة بعد أن أصبحت هي الرافد الرئيسي المكون للثقافة الوطنية.
ليس التقدم جوهرا ثابتا وقيمة مطلقة تخص شعبا دون شعب إلى الأبد. بل هي سمة توجد في شعب وحضارة في لحظة تاريخية معينة، كانت الحضارة الإسلامية في عصرها الذهبي، القرون السبعة الأولى، حضارة تقوم على العقل والعلم، وتهدف إلى التقدم وتأسيس العمران. وكانت أوروبا في العصر الوسيط المتزامن مع عصرنا الذهبي متخلفة في العلوم والآداب، ثم انقلبت الآية، فأصبحنا نحن في العصر المملوكي العثماني في القرون السبعة الأخيرة نموذجا للحضارة المتخلفة الناقلة لعلومها الماضية والمقلدة لتراثها السابق، الشارحة والملخصة له. وأصبحت أوروبا في عصورها الحديثة نموذج الحضارة المتقدمة ورائدا للحداثة والتحديث.
ليس إذن التقدم غريبا على الحضارة والشعوب العربية والإسلامية. ظهر المفهوم في العلوم الإسلامية النقلية العقلية القديمة، أصول الدين وأصول الفقه وعلوم الحكمة والتصوف.
ففي علم أصول الدين تساءل العلماء عن مستويات التقدم ورتبه هل هو بالزمان، تقدم الأب على الابن، أو بالمكان، تقدم القائد الصفوف، أم بالشرف، تقدم الأنبياء على سائر البشر؟ كما ظهر التقدم في الماضي في النبوة وتوالي الأنبياء من آدم حتى محمد. ويستمر التقدم في المعاد في استمرار الحياة بعد الموت. ثم ينهار التقدم في إمامة المفضول بالرغم من وجود الأفضل، وتوالي الانهيار في الأجيال جيلا وراء جيل «خير القرون قرني ثم الذي يلونه»، «الخلافة من بعدي ثلاثون سنة تتحول بعدها إلى ملك عضوض». ثم يأتي المهدي ليرفع الأمة من هذا الانهيار ويخلصها من طول قهر وظلم، ويملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا.
نامعلوم صفحہ